صناعة الإرهاب ومخاطره وحتمية المواجهة وآلياتها قضية ظلت مثار أحاديث أكاديمية وورش عمل وحلقات نقاشية على مدار يومين كاملين ضمن أعمال مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي عقد على ضفاف النيل الخالد بالقاهرة بحضور ممثلين لنحو 57 دولة من مختلف أنحاء العالم. ورغم كل ما قيل في جلسات المؤتمر وما طرح فيه من أبحاث وإشكاليات تبقى العبرة الحقيقية فيما يرتبط منها بالواقع ، وما يلامسه من أفكار قابلة للتطبيق ولعل مما يستحق التوقف أمامه في هذا الجانب ما صادفني من ميل واضح جلي من كثير من المشاركين في المؤتمر من ضرورة سعي القاهرة لإعادة إنتاج تجربتها السابقة في المراجعات الفكرية التي سبق وصنعتها باقتدار مع الجماعة الإسلامية، واستطاعت أن تحول رؤوس الإرهاب في حقب الثمانينيات والتسعينيات إلى رؤوس للفكر المناهض للتطرف والإرهاب ولعل ممن يشار إليهم في هذا الجانب بالبنان المفكر الإسلامي المصري الدكتور ناجح إبراهيم، ذلك الرجل الذي تحول من مؤسس للجماعة الإسلامية، إلى العقل المدبر والمفكر الواعي الذي أنتج المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية، التي نستطيع القول بمصداقية ووضوع أنه تجاوب معها من تجاوب وانقلب عليها من انقلب، لكن تبقى الفكرة في ذاتها نقية براقة يمكن إعادة طرحها وإنتاجها من جديد ما أتيحت الفرصة، وما ارتأت الجهات المسئولة في مصر وقتا مناسبا لذلك فهم أكثر دراية بمدى إمكانية إعادة استنساخ تلك التجربة من عدمها. وأعود بكم إلى منتوجات مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ويكفيني هنا أن أشير إلى دعوة المؤتمر إلى أهمية وضرورة خلق مناخ يسمح بملاحقة دولية جادة للدول الراعية للإرهاب إيواء أو تمويلاً أو دعمًا فكريًّا أو إعلاميًّا، وسن التشريعات الكفيلة بتجفيف منابع وحواضن وتمويل الإرهاب، وتتبع مصادر تمويله محليًّا ودوليًّا، واعتبار تمويل الإرهاب أو إيواء عناصره أو التستر عليهم جريمة ضد الإنسانية، ومع كل هذا تبقى الإشكالية قائمة. حقيقي أن هناك جهوداً واقعية تبذل لتصحيح الأفكار المغلوطة والإشكاليات القائمة، لكن بكل أسف يحدث ذلك في دوائر محلية مغلقة بعضها قاصر على تجارب محلية وإشكاليات إقليمية ربما ، بينما بالمقابل نجد أن الإرهاب في واقعه إرهاب مترابط ربما بما يفوق جهود مواجهته وتحليله، فإننا ونحن نترصد الأزمة والمعاناة التي يعانيها العالم أجمع من ويلات الأزمة الحقيقية مع الجماعات الإرهابية نجد تنسيقاً واقعاً بين قيادات الجماعات الإرهابية في القاعدة وداعش وغيرها في مختلف أنحاء العالم ، وبين الجيوب الإرهابية المتناثرة في كل أنحاء العالم، فنجد مبايعة تمت من قبل كثير من الجيوب الإرهابية لداعش تارة وربما القاعدة في بعض المناطق، وبقيت ذئابهم المنفردة تهديداً حياً للجميع في أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط بل وإفريقيا. وانطلاقا من وحدة التهديد الإرهابي الذي يتهدد العالم أجمع ربما تتجلى في ذهني فكرة في غاية الأهمية وهي رؤية لأكاديمية عالمية لمواجهة التطرف والإرهاب وممارساتهما تجمع في طياتها جهوداً فكرية وعلمية تجمع بين جهود الشرق والغرب معا تتخذ مقاراً رئيسة لها في الشرق والغرب معاً، بل وتتعاون مع كافة المنصات العربية والغربية العاملة على معالجة فكرة التطرف والإرهاب، وتنتج للعالم أجمع رؤية أكاديمية جديدة تحمل في طياتها رؤية مجمعة للشرق والغرب معاً في مواجهة خطر يتهددنا جميعاً، وتبقى كافة الأديان السماوية منه بريئة براءة بالفعل تستوجب تعاوناً حقيقياً وليس صورياً في هذا المجال. وربما مما يستوجب المضي في تلك التجربة أنني أطوف الأرض شرقاً وغرباً، وحضرت كثير من المؤتمرات والنقاشات حول تلك القضية، ففي بلادنا العربية يقف كثير منا عند فكرة مؤامرة الغرب على الشرق ودعم الإرهاب ليوجد له موطئ قدم في بلادنا، وهي رؤية ربما تحمل وجها من وجوه الحقيقة برأي البعض، لكنها ليست الحقيقة الكاملة، وفي المقابل نجد في الملتقيات الغربية بعض ممن يحملون المسلمين العرب مسؤولية نشر التطرف في العالم بأفكارهم التي تميل للطائفية والقبلية والدموية كما يتصور البعض ويطرح، وهي فكرة رغم ما فيها من أخطاء إلا أن من يطرحونها لديهم عذر مقبول أنهم لم يسمعوا منا ولا عنا دفاعاً منطقياً يوضح الحقيقة. وبين هذا وذاك أجد نفسي أطرح بصدق تلك الرؤية لأكاديمية عالمية لمواجهة التطرف بالتعاون بين الشرق والغرب أملا في خلق مواجهة حقيقة للخطر الذي يتهددنا جميعاً ولم نتعاون بالشكل اللائق لمواجهته حتى الآن. * أمين عام المؤتمر الإسلامي- الأوروبي