روت إحدى الصحف رحلة أحد صغار «الدواعش» من «أشبال الخلافة» واسمه محمد رمضان.. وتحوله إلى قاتل دموي معروف بلقب «أبو المجد». كان «أبو المجد» مع التنظيم في دمشق وريفها، وفي حمص وريفها، ولم يحرم دير الزور من صولاته. لكنه، أضافت الصحيفة، «ختم جهاده في دوار الدلة وسط الرقة، كآخر العهد بالقتال في صفوف التنظيم، حيث رابط على مشارف هذا الدوار شهراً، مستخدماً رشاشه الكلاشينكوف». سقطت قرية «محمد رمضان» في قبضة التنظيم، أضافت صحيفة «القبس»، مثل غيرها من القرى الفقيرة البائسة في منطقة الرقة. واستولى «داعش» في قريته أولاً على المدرسة التي كان يتلقى فيها الطفل دروسه، ويخطو من ساحاتها أولى خطواته في التحصيل العلمي. وفي المدرسة نفسها بدأ التنظيم إعداده مع غيره وتجنيده. «محمد أخبرنا أن والده كان يعمل في البناء كعامل يكد لتأمين قوت العائلة، لكنه عاد إلى القرية وقرر الانضمام إلى «داعش»، هروباً من الفقر الذي لطالما لازمه. والذي كان يعتقد أن «داعش» سينقذه من بؤس الفقر والحاجة، ومثلما قرر الانضمام شجعني أنا أيضاً على الالتزام بالدورات الشرعية التي يقيمها التنظيم في المدرسة، وهذا الأمر لعب دوراً مفصلياً في انضمامي إلى أشبال الخلافة». [13-11-2017]. وتوالت دورات إعداد اليافع «الداعشي» أبو المجد، تلقى خلالها «دروساً منهجية حول الكفار، وتعذيب الكفار للمسلمين وضرورة الانتقام وكيفية هذا الانتقام، وكل ذلك عبر الدروس المكثفة وأفلام الفيديو». بدأت بعد ذلك دورة تدريب عسكرية. في تلك الدورة كان أبو المجد، وعمره الآن لا يزيد على 14 عاماً، يستعجل الزمن ليتخرج ويحمل السلاح وينخرط في الجهاد: «كنت أحلم بالموت في سبيل الله ليرزقني الله الجنة، كنا نخضع لدورات ودروس قاسية وتطبيقات عملية بالأسلحة الحية، وكل من يمتنع عن تنفيذ المهام كانوا يطلقون عليه النار كعقوبة. لقد شاهدت بنفسي الكثير من الأطفال الذين تم إطلاق النار عليهم». كُلف أبو المجد بالقتال ضد «وحدات حماية الشعب الكردية»، وكانت هذه بداية تغير فكره كما يقول. «فقد أقنعنا داعش بأننا أفضل بني البشر أخلاقاً وإنسانية، بينما أقذر الأعمال ظهرت في أعمالنا القتالية، ورأيت بنفسي أنني لم أكن سوى سالب ناهب لحياة الناس وأموالهم». زار الطفل الداعشي أحد سجون داعش ذات مرة، «وفي أقبية التعذيب تناهى إلى مسامعي أنين التعذيب وصرخات النساء. ومن كوة الجدار استرقتُ النظر فإذا بجلاوزة السجن يضربون بالسياط ظهور النساء المعلقات بالسقف من أيديهن.. يا إلهي، أليس جسد المرأة عورة كما كانوا يقولون لنا، فلماذا تلك النساء عرايا في معاقل التنظيم». فتى «داعشي» آخر في الرابعة عشرة من عمره كذلك، «محمد أحمد»، الفتى العراقي الذي كان يسكن مع عائلته شرقي الموصل في إحدى القرى، عندما سيطر التنظيم على المدينة في يونيو 2014. لم ينتظر محمد طويلاً، بل سارع إلى التطوع في صفوف التنظيم المتطرف، وتقول صحيفة الشرق الأوسط 14-2-2017، إنه «أصبح بعد تلقيه تدريبات مكثفة على جميع أنواع الأسلحة، أحد أخطر مسؤولي وقناصي التنظيم». يقول «الداعشي» القناص محمد: «أعجبني مسلحي التنظيم وأسلحتهم وملابسهم، وشجعني أبي على الانتماء إليهم وبالفعل انتميت إلى صفوفهم وأرسلوني بعد أيام إلى مدينة الرقة السورية، وهناك أدخلوني في معسكر كبير للأطفال كان فيه آلاف الأطفال». تلقى تدريباً واسعاً مع الآخرين في كل مستلزمات إعداد الإرهابي وصناعة الموت، وشمل ذلك «كيفية استخدام جميع الأسلحة وكيفية صناعة العبوات الناسفة وتفخيخ المباني والسيارات وتنفيذ الهجمات الانتحارية وعمليات الاغتيال والتعذيب وخوض المعارك داخل المدن. كنا نجرب عمليات الذبح والإعدام على معتقلين لدى التنظيم ومسلحين خارجين عن أوامر داعش». تصف القوات العراقية «محمد» بأنه خطير جداً حيث شارك في عمليات إجرامية كبيرة. ويقول عن نفسه «عندما تخرجت من المعسكر كنت ضمن أحد أفضل قناصي التنظيم. أشرفتُ على مجموعة كبيرة من عمليات التنظيم داخل الموصل وأطرافها من عمليات قنص وقتل، وكذلك أشرفت على إدارة كثير من نقاط التفتيش، وعمليات تعذيب واعتقال المواطنين والمخالفين لقوانين «داعش». بين التقرير الصحافي أن التنظيم «كان يلجأ إلى إغراء الشباب والأطفال والمراهقين بالأموال والأسلحة والسيارات، ويؤكد لهم أنهم سيعيشون بين صفوف مسلحيه برفاهية، لكن بعد تجنيدهم بفترة قصيرة كانوا يبلغون من تورط معهم من هؤلاء الأطفال والشباب أن هناك نقصاً في جبهات القتال وعليهم أن يتوجهوا إليها وإلا سيُعدمون بتهمة عدم إطاعة الأوامر، وافتتح التنظيم مع سيطرته على الموصل العام 2014، العشرات من المعسكرات التدريبية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 17 عاماً، وأهم اثنين من هذه المعسكرات «الفاروق» و«أشبال الخلافة، في تنفيذ العمليات الانتحارية والهجمات المسلحة وفي المعارك مع القوات العراقية». كيف ألقت القوات العراقية القبض عليه؟ قال علاء خالد، أحد مقاتلي الجيش العراقي لـ«الشرق الأوسط» إن قواتهم ألقت القبض على الفتى محمد أحمد و 4 آخرين كانوا معه أثناء خروجهم مع العائلات التي نزحت من إحدى القرى التابعة لناحية النمرود، وأوضح خالد: «سكان القرية أبلغوا عن محمد وأدلوا بمعلومات مهمة عنه للقوات الأمنية. وبعد إلقاء القبض عليه دققنا بالمعلومات التي كانت بحوزة الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن الوطني، واتضح أنه أحد المطلوبين للقوات الأمنية»، مضيفاً: «ألقي القبض عليه وهو يسير بين مجموعة من نساء القرية وكان معه 4 آخرون من مسلحي التنظيم المتورطين في عمليات إرهابية». كانت لهؤلاء الصغار مهام أخرى.. لا تقل خطورة! يقول كاتب التقرير من الموصل «دلشاد عبدالله»: «بحسب شهود في المناطق المحررة من الموصل، كان التنظيم يستخدم هؤلاء الأطفال إلى جانب مهامهم العسكرية عيوناً تابعين له في مناطق سكناهم، وللتجسس على أهلهم. وتعرض هؤلاء الأطفال إلى عمليات غسل الدماغ لدرجة جعلتهم يعتقدون أن خليفة «داعش» الإرهابي أبوبكر البغدادي، هو والدهم». *كاتب ومفكر- الكويت