إذا ما خطا أي منكم للوراء قليلاً، وفكر في الأمر ملياً، فإنه سيدرك أن آخر إبداعات ترامب اللفظية، تتفق مع شخصيته إلى حد كبير، علماً بأنني لا أقصد هنا شخصية ترامب على وجه التحديد. فمتى كانت آخر مرة رأيتم فيها عضواً في إدارة ترامب، أو حتى أي عضو جمهوري بارز، يعترف بخطئه، أو يقر بمسؤوليته عن مشكلات حدثت؟ تحمل المسؤولية عن الأفعال، كانت دائماً تعد من الفضائل التي يجب أن يتحلى بها السياسيون، والأشخاص البالغون بشكل عام. وهناك عدم تماثل كبير بين الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة، فيما يتعلق بهذه النقطة على الأقل. وهنا لا أقصد أن أقول إن جميع الديمقراطيين يتصفون بالأمانة والاستقامة؛ ولكن ما أستطيع قوله هو أنه لم يعد هناك شخص واحد في الحزب الجمهوري لديه الرغبة في تحمل المسؤولية عن أي شيء. ولا أعتقد أن هذا محض مصادفة؛ فالمضمون المحزن للشخصية الجمهورية المعاصرة، هو مجرد عرض من أعراض النفعية والمظهرية اللذين ابتُلي بهما نصف جسمنا السياسي، وهو مرض روحي يتبدى في السلوك الشخصي، كما في المواقف والممارسات السياسية. لدينا على سبيل المثال قصة «سكوت برويت»، رئيس وكالة حماية البيئة، الذي يواصل ركوب الطائرات في الدرجة الأولى، على حساب دافعي الضرائب. والتكلفة المالية هنا ليست هي الشيء المهم، على الرغم من أن السفر بهذه الطريقة يخالف اللوائح الفيدرالية.. فالشيء المهم والكاشف في الآن ذاته، هو أن السبب المفترض الذي يدفع الوزير للسفر بالدرجة الأولى، هو أن المسافرين في الدرجة العادية عادة ما يقولون له أشياء محرجة في وجهه. الأخطر من ذلك، أن ننظر في سلوك جون كيلي، كبير موظفي ترامب، الذي بدأ سجله في تشويه النقاد، ورفض الاعتراف بالخطأ، يتنافس مع سجل رئيسه. ولعلنا نتذكر هنا تلك المرة التي وجه فيها كيلي اتهامات كاذبة إلى العضو الجمهوري السيدة فريدريكا ويلسون، ورفض سحب هذه الاتهامات، حتى بعد أن أظهر الفيديو أنها كانت زائفة. وفي الآونة الأخيرة، أصر كيلي على أنه لا يعرف التفاصيل الكاملة بشأن مزاعم إساءة معاملة الزوجة المقدمة ضد «روب بورتر»، أحد موظفي البيت الأبيض، وأنه لم يعرفها إلا قبل 40 دقيقة من قيام بورتر بتقديم استقالته؛ وهو زعم يبدو مناقضاً تماماً لكل ما نعرفه حول هذه القصة. وحتى لو كانت مزاعم كيلي بهذا الشأن صحيحة، فإنه كان عليه أن يقدم اعتذاراً عن غفلته؛ لكن المشكلة هي أن هؤلاء الرجال لا يعتذرون. الأمر، إذن، لا يقتصر على ترامب، كما أنه لم يبدأ مع وصول ترامب للسلطة؛ فقد كتبت منذ زمن، وتحديداً عام 2005 عن «فجوة النزاهة والشرف» في إدارة بوش، وكنت أقصد بها، عدم رغبة كبار المسؤولين في الاعتراف بمسؤوليتهم عن الغزو الأخرق للعراق، والاستجابة الخرقاء لإعصار كاترينا، وغيرهما كثير. وبالمناسبة، فنحن لا نقصر حديثنا هنا على السياسيين فحسب. فمن ناحيتي، ما زلت أشعر بالحيرة تجاه عدم رغبة الاقتصاديين من ذوي الميول اليمينية، في الاعتراف بأنهم كانوا على خطأ في التنبؤ بأن جهود الاحتياطي الفيدرالي لإنقاذ الاقتصاد ستؤدي إلى تضخم جامح. الخطأ شيء -الجميع يخطئون وأنا شخصياً كثيراً ما أخطئ- ورفض الاعتراف بالخطأ شيء آخر تماماً. لكن دعونا نكون واضحين هنا، ونقول إن الاعتراف بالمسؤولية الشخصية، ليس شيئاً غائباً تماماً في جميع الأماكن. يمكنكم أن تتساءلوا، على سبيل المثال، عما إذا كانت هيلاري كلينتون قد اعتذرت بما فيه الكفاية عن دعمها المبدئي للحرب العراقية، أو عن الأخطاء التي وقعت فيها عام 2016؛ لكن لا تنسوا عندما تتساءلون عن ذلك، أنها اعترفت في نهاية المطاف بأنها ارتكبت تلك الأخطاء، في حين أن لا أحد في الجانب الآخر يفعل ذلك. إذن، ما الذي حدث لشخصية الحزب الجمهوري؟ أنا متيقن تماماً، أن «الشخصي»، في حالتنا هذه، يتحول في نهاية المطاف، إلى«سياسي». فالحزب الجمهوري، وإلى حد ليس له مثيل في التاريخ الأميركي برمته، هو حزب مبني حول التظاهر بأن مشاغله وأهدافه مختلفة اختلافاً بيناً عما هي عليه بالفعل. فالمزاعم الطنانة عن الوطنية، والاستدعاء المكثف للأخلاق، والتحذيرات الصارمة بشأن النزاهة المالية.. ليست في الحقيقة سوى واجهات تخفي وراءها أجندة أساسية، معنية فقط بجعل القلة الثرية أكثر ثراءً. وعيوب شخصية الحزب ينتهي بها الحال إلى أن تتكرر في صورة عيوب شخصية لأعضائه الأبرز؛ بحيث يحتار المرء هل هم أشخاص سيئون اختاروا ولاءهم السياسي لأنه يناسب ميولهم، أما أنهم يمكن أن يكونوا أناساً جيدين، جرى إفسادهم من قبل الحزب؟ أعتقد أن الأمر مزيج من الاثنين. على أي حال، دعونا نكون واضحين: أميركا في عام 2018 ليست مكاناً يمكننا أن نختلف فيه، من دون أن نكون ممقوتين؛ وليست مكاناً يوجد فيه أشخاص طيبون، وأفكار جيدة على كلا الجانبين؛ أو أي موعظة ثنائية الحزبية تريدون أن تتلوها. الحقيقة أننا، بدلاً من ذلك، نعيش في «كاكيس قراطية»، ونحن بحاجة إلى التصدي لهذا الواقع الأليم. بول كروجمان كاتب أميركي حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»