بعد مرور شهرين فقط من 2018، باتت الخلافات تحاصر الرئيس ترامب؛ فالبيت الأبيض أكثر اختلالًا من أي وقت مضى، وترامب استخدم كلمات قوية لوصف بعض البلدان الفقيرة، وحمّل مسؤولية التدخل في انتخابات 2016 لأوباما بدلاً من بوتين، وهو يواصل الحديث بخصوص كل شيء تقريباً. غير أن مكانته لدى الجمهور لم تتأثر البتة، بل إن معدلات التأييد العام له ارتفعت قليلًا. التفسير التقليدي يعزو هذا الأمر إلى قوة الاقتصاد وتزايد شعبية قانون خفض الضرائب الجمهوري. والحال أن الاقتصاد أخذ يزداد قوة منذ سنوات رئاسة أوباما الأخيرة. ولئن كانت الحملة التسويقية التي تعد مزايا الخفض الضريبي ناجحة وفعالة، فإن الحكم الأخير على هذه الحملة سيتوقف على الكيفية التي سيؤثر بها هذا الخفض على الناخبين، وليس على ما يقال لهم. والواقع أن عدم تأثر ترامب له علاقة بقدرته المستمرة على التحكم في شروط النقاش العام وظروفه أكثر منها بالأحداث العابرة. فرغم تراجعه عن قرار بشأن الهجرة، فإنه استطاع تحويل اللوم إلى الديمقراطيين. وعندما ينجح ترامب، فإنه ينجح عبر اللعب على المشاعر نفسها التي ساعدت على انتخابه: غضب أولئك الناخبين الذين كانوا مقتنعين بأن «النخب»، أي سياسيي واشنطن وأكاديمييها وإعلامييها و«وول ستريت»، لا يكترثون لهم. وعليه، فإن السؤال الآن هو حول ما إن كان هذا النوع من النجاح قابلًا للاستمرار. وشخصياً، لا أعتقد ذلك. فمعدلات التأييد العام للرئيس تظل متواضعة تاريخياً. وفي نوفمبر المقبل، قد يفوز الديمقراطيون بالأغلبية النيابية، ما سيمنحهم السلطة للتحقيق في أفعال الإدارة. كما أن محققي المستشار الخاص روبرت مويلر بدّدوا أي شك بشأن حقيقة أن عملاء روس حاولوا مساعدة ترامب على الفوز بالانتخابات. بيد أن الدعم السياسي لترامب سيتآكل بشكل تدريحي فقط على الأرجح. فالسياسيون الجمهوريون يدعمونه في معظمهم بغض النظر عن تحفظاتهم، خوفاً من عقاب قاعدته الانتخابية. فهم يرون ما حل بسيناتور أريزونا جيف فلايك، المحافظ الذي انتقد ترامب موقعاً بذلك شهادة وفاته السياسية، ويرون سيناتور تينيسي بوب كوركر، الذي أعلن تقاعده في سبتمبر بعد انتقاده ترامب، ثم أخذ الآن يعيد النظر ويفكر في طلب العفو من ترامب. أما بالنسبة لجماعات المصالح التي تركز في المقام الأول على قضاء محافظ، أو خفض كبير للضرائب، أو كبح الهجرة، فإن تأييد ترامب ينم عن الذكاء. وبالنسبة لمعظم اليمين الديني، فإن الوصول إلى المال أهم من القيم المعلنة. والواقع أن الأنصار من قاعدته الانتخابية يؤيدون الكثير من عناصر الأجندة نفسها. وفي هذا السياق، أبان ترامب عن قدرة مذهلة على خلق مصادر إلهاء ذكية. وبخصوص التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، يقوم ترامب بخلق خطابات بديلة. فأحيانا يلقي اللوم على أوباما، أو على مسؤولين ذوي ميولات يسارية داخل مكتب التحقيقات الفيدرالي. وأحياناً، يلجأ إلى آخرين مثل النائب الجمهوري ديفن نانز، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، للمساعدة على اختلاق نظريات مؤامرة. هذه التكتيكات التي تروم الإلهاء وصرف الانتباه يصدقها أتباعه حتى عندما لا تنطلي عليهم ولا يصدقونها. فبالنسبة لهم، التفاصيل ليست مهمة بقدر أهمية المشاعر: فهو يدعمنا ويتصدى للنخب. وفي الأثناء، يشتكي الديمقراطيون من تزوير الحقائق، لكنهم لم ينجحوا في تقديم خطابات مضادة مقنعة. ألبرت هانت* ------------------------- *محلل سياسي أميركي --------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس» -------------------------------