تقارب مذهل ذاك الذي حدث بين الكوريتين بمناسبة الألعاب الأولمبية الشتوية التي احتضنتها كوريا الجنوبية مؤخراً. فقبل ذلك ببضعة أيام فقط، كان شبح حرب تُستخدم فيها الصواريخ الباليستية، بل الأسلحة النووية، يخيم على المنطقة ويهدد بتفجيرها. ومنذ ذلك الوقت، وجّه الديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ أون دعوةً، من خلال شقيقته، إلى الرئيس الكوري الجنوبي «مون جاي إن» لزيارة بيونج يانج. والواقع أن زيارة هذه الأخيرة تُعد في حد ذاتها حدثاً تاريخياً، لأنها المرة الأولى التي يزور فيها فرد من العائلة الحاكمة كوريا الجنوبية. وهكذا، ساهمت الألعاب الأولمبية في حدوث هذا التقارب. وإذا كانت هذه الأخيرة لا تستطيع وحدها ضمان السلام، فإنها توفر من دون شك فرصة دبلوماسية حقيقية. ولكن، ما الذي يمكن أن يتغير حقاً؟ الواقع أنه لا ينبغي أن تكون للمرء أوهام بهذا الشأن. فهذا التقارب لن يدفع كوريا الشمالية إلى التخلي عن سلاحها النووي، لأن «كيم أون» والزعماء الكوريين الشماليين لديهم قناعة بأن هذا السلاح يحمي النظام ويحصنه، ويعتقدون أنه لو أن صدام حسين ومعمر القذافي استفادا منه، لكانا ما يزالان على قيد الحياة وفي السلطة. كما أنه لن يفضي إلى عملية دمقرطة أو إعادة توحيد. ذلك أن الكوريين الجنوبيين يدركون جيداً أن هذه الأخيرة تتجاوز إمكانياتهم. ويرون ما كلفته إعادة التوحيد بالنسبة لألمانيا الغربية، علماً بأن الاتحاد الأوروبي ساهم في المساعدات (في هذه الحالة، ليس ثمة اتحاد آسيوي) وألمانيا الشرقية كانت في حالة أفضل مما هي عليه كوريا الشمالية اليوم. وعلاوة على ذلك، كان ثمة أربعة ألمانيين غربيين، أي أربعة أغنياء، مقابل ألماني واحد من «الشرق»، أي فقير واحد، في حين لا يوجد اليوم سوى كوريَين جنوبيين اثنين مقابل كوري شمالي واحد. والواقع أن الرئيس الكوري الجنوبي الحالي يرغب في تهدئة، وفي خفض للتوتر، حتى يصبح جاره الكوري الشمالي أقل تسبباً في الاضطرابات لأكبر حد ممكن. وإليه يعود الفضل في إجراء الألعاب الأولمبية في ظروف جيدة. ولكن من جهة أخرى، يتعين على الرئيس الكوري الجنوبي التعاطي مع الولايات المتحدة غير المسرورة بهذا التقارب. إذ ثمة تناقض في الخطاب الأميركي: ذلك أنه من جهة، يقول دونالد ترامب إن سياسة الحزم، بل سياسة الوعيد، التي ينتهجها استطاعت حمل كوريا الشمالية على تغيير سلوكها السابق قليلا. وفي الوقت نفسه، يشتكي من تهديد السلام هذا الذي ينظر إليه على أنه «تخل» عن كوريا الجنوبية. كما أنه منزعج أيضا من انخفاض التوتر، لأنه يراهن على التصعيد من أجل مساعدة صناعته العسكرية، وذلك على اعتبار أن كوريا الجنوبية واليابان تشتريان الأسلحة من الولايات المتحدة عندما يتصاعد التوتر في المنطقة. ويذكر في هذا السياق أن فيكتور تشا، العضو في مركز أبحاث أميركي والذي ينحدر من أصول كورية ويُعتبر من «الصقور»، والذي كان يدير المكتب الآسيوي لمجلس الأمن القومي في عهد إدارة جورج دبليو. بوش، كان قد اختير مؤخراً لمنصب سفير الولايات المتحدة إلى كوريا الجنوبية. غير أنه وجّه انتقادات لسياسة دونالد ترامب حيث قال عنه إنه يبحث عن حلول عسكرية بأي ثمن، منتقدا خيار توجيه ضربات ضد كوريا الشمالية الذي لا يمكن، في رأيه، أن يؤدي إلا إلى مشاكل وصعوبات، ولا يمكن أن يؤدي إلى تسوية للأزمة بأي حال من الأحوال. «مون جاي إن» عالق في موقف صعب إذن، ذلك أنه لا يستطيع القطع كلياً مع دونالد ترامب، لأنه يحتاج إلى الحماية الأميركية، ولكنه من جهة أخرى بدأ يشعر بهذه الحماية كتهديد، وإذا كان «جاي إن» قد استطاع الحصول من الولايات المتحدة على إرجاء للمناورات العسكرية التقليدية، فإنه غير واثق بأنه سيستطيع الحصول على أشياء أخرى كثيرة. ويخشى الاستفزازات أو إغراء الخيار العسكري لدى دونالد ترامب. وعليه، ينبغي ألا تراود المرء أوهام بشأن سلام دائم بين الكوريتين، فذاك حلم بعيد المنال. غير أنه حلم مرحب به ومفضّل على مخاطر الحرب. وخلاصة القول إن كوريا الشمالية لن تتحول إلى دولة ديمقراطية ليبرالية كبيرة، ولكنها يمكن أن تكون دولة ديكتاتورية أقل إيذاء وأقل إثارة للاضطرابات في المنطقة. ولا شك أن ذلك سيمثل نجاحاً في نهاية المطاف يُحسب لسياسة التقارب، واتباع «سياسة الشمس المشرقة»، شريطة ألا يقوم دونالد ترامب بإزاحة العملية عن سكتها.