بعد أن كرر الرئيس ترامب التأكيد مراراً أن أخبار التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 ليست إلا «خدعة»، ها هو يوجّه انتقاداته العنيفة ضد الرئيس أوباما لعدم مواجهته هذا «الخطر الخيالي». وقال في تغريدة أطلقها الاثنين الماضي: «لقد كان أوباما لا يزال رئيساً في فترة انتخابات 2016. فلماذا لم يفعل شيئاً ضد التدخل الروسي؟». وأضاف: «كنت أكثر تشدداً مع روسيا من أوباما. وعليك أن تنظر إلى الحقائق وحدها وليس الأكاذيب والأخبار الملفقة». ويبدو أن هناك نقاطاً غائبة عن هذا الطرح. فقد كان أوباما أضعف من أن يواجه الهجمة الروسية الشرسة والتي تنوعت مظاهرها بين قرصنة البريد الإلكتروني لأعضاء الحزب الجمهوري، وحتى الترويج للحملة الدعائية الانتخابية لترامب على شبكة الإنترنت. وكما قالت صحيفة «نيويورك تايمز» بعد الانتخابات بوقت قصير، فقد كان يتم إطلاع أوباما بانتظام على تفاصيل الأعمال التي كان يقوم بها الروس، «لكنه كان يحرص على تجنب ذكر الروس بشكل علني أو التفكير بفرض العقوبات ضدهم. وكان السبب وراء ذلك خوفه من تصعيد المواقف لدرجة نشوب حرب افتراضية كبرى بين الدولتين، ولأن الولايات المتحدة تحتاج لتعاون روسيا في المفاوضات المتعلقة بإنهاء الأزمة القائمة في سوريا». كان أوباما يضع التحدي مع روسيا في رأس أولوياته لضمان السير الحسن للعملية الانتخابية. وكان راضياً عن الطريقة التي تتم بها تلك الانتخابات والتي كان يتصور أن هيلاري كلينتون هي من سيفوز بها. ومن باب الإنصاف القول الآن بأن أوباما كان فاقداً للقدرة على فهم ما يجري بسبب ضعف تواصله وتعاونه مع الجمهوريين. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن أوباما ابتعث في سبتمبر 2016 فريقاً من وكالة الأمن الوطني إلى الكونجرس للبحث عن صيغة اتحادية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري لمواجهة تحديات الكرملين. لكن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الجمهوري «ميتش ماكونيل» غلّب انتماءه الحزبي ورفض التعاون مع إدارة أوباما. لكن، ماذا عن إشارة ترامب إلى أنه أشدّ قسوة في التعامل مع روسيا من سلفه أوباما؟ يمكنه أن يشير بهذا الشأن إلى موافقته على بيع أسلحة فتاكة لأوكرانيا، ووسع العقوبات على روسيا لتشمل 38 شخصية وشركة روسية ساهمت في غزو أوكرانيا، وهو الذي طلب زيادة ميزانية الإنفاق العسكري، ووجّه ضربة صاروخية للنظام السوري الحليف لروسيا. ومقابل ذلك، لا يتوفر أي دليل يشير إلى أن ترامب كان متشدداً مع روسيا. وكان مما يستثير الدهشة أنه لم يقل كلمة سلبية واحدة ضد الرئيس الروسي بوتين. وعندما أمر النظام الروسي بإلغاء 755 وظيفة للدبلوماسيين الأميركيين في روسيا، اكتفى ترامب بالثناء عليه. ووافق أيضاً على نكران بوتين لاتهامات التدخل في الانتخابات الأميركية. ولم يكتفِ برفض التصدي للمواقف الاستفزازية الروسية، بل حاول تجميد الإجراءات التي اتخذها سلفه أوباما ضدّها. وقبل أيام من انتهاء ولايته الرئاسية أصدر أوباما قراراً بطرد 35 دبلوماسياً روسياً وإغلاق العديد من المؤسسات الدبلوماسية الروسية في واشنطن. وفي اليوم ذاته، دعا ترامب (الفائز بالانتخابات) مستشار الأمن القومي مايكل فلين المعيّن حديثاً، للقاء السفير الروسي «سيرجي كيسلياك» لحثّ حكومته على عدم اتخاذ إجراءات انتقامية ضد الولايات المتحدة. وكان من الواضح أن بوتين لم يتخذ أي إجراء مضاد. وعلق ترامب على ذلك الموقف بتغريدة قال فيها: «إن هذا التأجيل (من بوتين) خطوة عظيمة. وكنت أعرف دائماً أنه رجل حاد الذكاء!». وسرعان ما أدين فلين بتهمة الكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي حول اتصالاته غير القانونية بالسفير الروسي «كيسلياك». ومن السذاجة أن نتصور بأن ترامب لم يكن على علم بما كان يفعله «فلين» عندما أوحى للكرملين بطريقة ضمنية بأن ترامب سوف يرفع العقوبات التي فرضها أوباما لتوّه على روسيا. وكان من الممكن أن يكون ترامب قد فعل حسناً في أسلوب تعامله مع الروس لولا انفجار الجدل حول التعاون مع الكرملين، والذي جعل الأمور بالغة الخطورة سياسياً بالنسبة له. ورغم الذي حدث، فقد رفض ترامب مشروع قانون يقضي بفرض عقوبات ضد روسيا، ولكنه اضطرّ لتوقيعه بضغط من الكونجرس. ولا يزال حتى اليوم يرفض في قرارة نفسه فرض تلك العقوبات التي تضمنها مشروع القانون. ماكس بوت روائي ومحلل سياسي من أصل روسي عن دورية «فورين بوليسي» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»