بعد مرور أقل من 24 ساعة على الخبر الذي نشرته مجلة «فورين بوليسي» على موقعها الإلكتروني، ونقلته عن مصدر لم تسمه بوزارة الخارجة الأميركية، وفيه أن إدارة دونالد ترامب تعتزم إعفاء «بريت ماكغورك» من منصبه كمبعوث رئاسي خاص إلى التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، وأن مهماته ستوكل مجدداً إلى مكتب مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الخارجية.. أعلنت المتحدثة باسم الوزارة، هيذر ناورت، أن «ماكغورك» باقٍ ومستمر في منصبه كمبعوث خاص للرئيس ترامب لدى التحالف الدولي ضد «داعش». وهو الموضوع الذي علق عليه المحللون الأميركيون باهتمام، وتناولته مصادر من داخل الكونغرس نفسه، مما يشير إلى أهمية «ماكغورك» وحساسية الدور الذي يطلع به في منصبه الحالي. «بريت ماكغورك» محامٍ ودبلوماسي وخبير أميركي في قضايا الإرهاب والأمن وصراعات الشرق الأوسط، شغل عدة مناصب في إدارات الرئيسين بوش الابن وباراك أوباما، وخدم في العراق وتابع عدة ملفات وفاوض في أزمات، حيث يصف كثيرون أداءه بالجيد والناجح، لاسيما بعد ما يبدو انتصاراً ساحقاً على «داعش» في معظم مواقعه. وقد ولد «بريت ماكغورك» في مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا عام 1973، لوالدين مدرّسين. وبعد انتقال عائلته إلى مدينة هارتفورد الغربية بولاية كونيتيكت، أكمل دراسته الإعدادية هناك وحصل على شهادة الثانوية العامة عام 1991، ليلتحق بجامعة كونيتيكت ويحصل منها على شهادة البكالوريوس عام 1996، ومن بعدها على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة كولومبيا عام 1999. وبعد تخرجه في الجامعة عمل ماكغورك كاتباً عدلياً لمدة ثلاث سنوات، تدرج خلالها في القضاء الاتحادي، قبل أن يغادره للعمل في القطاع الخاص، حيث التحق بمؤسسة «كيركلاند آند اليس لدعاوى الاستئناف»، ثم عمل أستاذاً مساعداً في كلية الحقوق بجامعة فيرجينيا. عاد ماكغورك إلى القطاع الحكومي في مطلع 2004 كمستشار قانوني لسلطة الائتلاف المؤقتة في العراق، ثم أصبح مستشاراً قانونياً للسفير الأميركي في بغداد، وساعد في صياغة مسودة الدستور العراقي المؤقت والقانون الإداري الانتقالي، كما أشرف على الإجراءات القانونية لانتقال الحكم من سلطة الائتلاف المؤقتة إلى الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة إياد علاوي. وفي عام 2005 تم تعيينه بمجلس الأمن القومي الأميركي مديراً لشؤون العراق، ثم مستشاراً خاصاً للرئيس بوش الابن ومدير شؤون العراق وأفغانستان في مكتبه، وكان أول من دعا إلى إحداث تغيير جذري في السياسة الأميركية حيال العراق، حيث روج بدايةً من عام 2006 لفكرة زيادة عدد القوات الأميركية في بلاد الرافدين قبل تنفيذها في العام التالي. وأشار إليه بوش الابن في كتاب مذكراته «نقاط القرار» باعتباره المفاوض الأميركي مع حكومة العراق، إلى جانب السفير ريان كروكر، لوضع اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية بين الجانبين. وعمل ماكغورك مع إدارة أوباما خلال أشهرها الأولى، قبل أن يترك منصبه الحكومي، ليصبح زميلاً مقيماً في معهد هارفارد للسياسات، حيث قاد مجموعة بحثيةً تُعنى بدراسة أعلى مستويات الخطورة في المفاوضات. ثم عاد مجدداً إلى العمل الدبلوماسي في عام 2013 نائباً لمساعد وزير الخارجية لشؤون العراق وإيران. وفي العام التالي أدلى بشهادته أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب الأميركي حول التهديد الذي يمثله تنظيم «داعش». وفي 9 يونيو من ذلك العام كان في أربيل بإقليم كردستان العراق عندما اجتاح «داعش» مدينة الموصل واقترب من بغداد، حيث سارع ماكغورك نحو العاصمة العراقية للمساعدة في إجلاء 1500 موظف أميركي من سفارة بلادهم هناك. وبينما كان يعمل مع فريق أوباما لصياغة الرد الأميركي على التهديد الذي مثله «داعش»، لعب دوراً مهماً في تسهيل ميلاد حكومة جديدة في العراق برئاسة حيدر العبادي خلفاً لنوري المالكي. وعلى تلك الخلفية، تم تعيينه في 13 سبتمبر 2014 سفيراً ونائباً للمبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة «داعش» الجنرال المتقاعد جون ألين، حيث أجريا مناقشات معمقة مع الرئيس أوباما لبلورة استراتيجية بناء التحالف الدولي لمكافحة «داعش»، الذي تكون في نفس الآونة وبدأ أولى ضرباته الجوية في 8 أغسطس من العام ذاته. ولم ينته العام حتى شهدت بروكسل اجتماعاً ارتفع خلاله عدد الدول المشاركة في التحالف إلى 62 دولة تعهدت بمحاربة «داعش». ثم حل ماكغورك محل الجنرال جون ألين في 23 أكتوبر 2015، وأصبح المبعوث الرئاسي الأميركي للتحالف الدولي ضد «داعش». ومنذ بدأ التحالف ضرباته الجوية الأولى ضد «داعش» في العراق وسوريا (8 أغسطس 2014)، وحتى نهاية العام الماضي، بلغ مجموعة طلعاته الجوية ضد التنظيم نحو 25 ألف طلعة، كان ثلثاها في العراق. وبفضل تلك الطلعات، علاوة على الدعم الفني واللوجستي الذي قدمه التحالف بقيادة الولايات المتحدة، تم طرد التنظيم من مدينتي الموصل في العراق والرقة في سوريا، اللتين كان يعدهما عاصمتيه في البلدين. وقد زار ماكغورك شمال سوريا في يناير 2016، والتقى مسؤولي الأحزاب الكردية، وعرف عنه أثناء عمله مع مليشيا «قوات سوريا الديمقراطية»، حرصه على عدم التدخل في إدارتها شؤون المناطق الخاضعة لسيطرتها، بما في ذلك إدارتها الموارد النفطية، كما لم يعارض التواصل مع النظام السوري في مواضيع إدارة شؤون السكان. وقد اعتبر ماكغورك على الدوام أن الأولوية القصوى يجب أن تكون للحرب على التنظيم الإرهابي، وهو موقف، إلى جانب موقفه «الناعم» نسبياً حيال النظام السوري، سهلا علاقته بالجانب الحكومي العراقي، وأعاناه أيضاً على إجراء مفاوضات سرية مكثفة دامت أكثر من عام مع إيران لإطلاق سراح أربعة معتقلين أميركيين في سجونها، إذ استطاع إعادتهم إلى الولايات المتحدة مطلع عام 2016. ووجد ماكغورك نفسه دائماً في موقع يسمح له بتقييم أداء التحالف الدولي ضد «داعش» والتحدث باسمه، فبلده الولايات المتحدة هي الدولة المبادرة بإنشاء التحالف، وهي المساهم الأكبر في عملياته، لذا كان الناطق الرسمي باسمه ضابطاً أميركياً هو الكولونيل رايان ديلون. وقد تطرق ماكغورك في يونيو الماضي لجانب من الإنجازات الأمنية للتحالف، وقال أمام مؤتمر عقد في مستوطنة «هرتسليا» على البحر الأبيض المتوسط، إن «التحالف يقوم ببناء قاعدة بيانات عن الإرهابيين الأجانب الذين يعودون من العراق وسوريا إلى بلدانهم»، وأن «هذه القاعدة يتم بناؤها عبر شبكات لتبادل المعلومات، لضمان التعرف على كل شخص قاتَل ضمن صفوف (داعش) على النقاط الحدودية أو في سياق أعمال الشرطة الروتينية». ورغم إلحاق الهزيمة العسكرية بـ«داعش»، يرى محللون ومشرعون أميركيون أنه لا يزال من المبكر الحديث عن إلغاء منصب المبعوث الخاص إلى التحالف الدولي ضد «داعش» وإسناد مهماته مجدداً إلى مكتب مكافحة الإرهاب التابع للخارجية الأميركية، فيما تكافح الولايات المتحدة من أجل صياغة استراتيجية متماسكة بعد «النجاحات العسكرية» ضدّ «داعش». وإن كان من الحتمي، على ضوء تلك «النجاحات»، إلغاء منصب المبعوث (أو تغيير تسميته) كما جاء في خبر «فورين بوليسي»، فمن المؤكد أن الإدارة التي بادرت إلى نفي الخبر بشكل قاطع، ستكون حريصة على التمسك بماكغورك، أحد أكثر الأميركيين العارفين بالعراق والمساهم البارز في وضع سياسة واشنطن حيال سوريا، لتعيينه في منصب دبلوماسي رفيع المستوى مستقبلاً. محمد ولد المنى