أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» في 20 فبراير بياناً صحفياً بلا كلمات، وذلك للتعبير عن حجم الكارثة الإنسانية التي تشهدها الغوطة الشرقية بسوريا، ويبدأ البيان، الذي نُشر على موقع «تويتر» بجملة للمدير الإقليمي، «جيرت كابيلاري»، مفاده: «ليس هناك كلمات تنصف الأطفال القتلى وأمهاتهم وآباءهم وأحباءهم»، ثم ترك البيان ستة أسطر فارغة يبدأ كل منها بعلامة تنصيص، وفي أسفل الصفحة كتب: «تصدر اليونيسف هذا البيان، لأنه لم يعد لدينا كلمات لوصف معاناة الأطفال وحدة غضبنا»، وصدر البيان بعدة لغات على حسابات اليونيسيف على «تويتر». أصدر مجلس الأمن الدولي السبت الماضي القرار رقم (2401) بالإجماع لوقف إطلاق النار لمدة شهر في سوريا لإفساح المجال أمام وصول المساعدات الإنسانية وعمليات إجلاء المرضى والمصابين، إثر مشاورات استمرت في ردهات مجلس الأمن منذ 9 فبراير حول مشروع قرار متعلق بهدنة إنسانية، ترافقت مع حملة قصف جوي كثيفة للقوات الحكومية السورية على الغوطة الشرقية قرب دمشق التي تسيطر عليها المعارضة. المفاوضات تعثرت بسبب مطالبة روسيا الجماعات المسلحة التي تقاتل الأسد بالتزام بالهدنة. ولكن ماذا بعد؟ هل تنتظر الغوطة الشرقية مصير حلب؟ ماهي إمكانيات تأثير المجتمع الدولي على الحرب الدائرة في سوريا؟ اليوم تتجسد في سوريا الكارثة الإنسانية في منطقة الغوطة الشرقية، كارثة مماثلة لتلك التي وقعت نهاية عام 2016 في حلب بعد هجوم القوات الحكومية على الغوطة الشرقية، حيث تقوم الحكومة السورية مدعومة من روسيا، بقصف مستمر للغوطة الشرقية، المدينة الواقعة في ريف دمشق، والتي كان عدد سكانها يبلغ قبل بداية الحرب الأهلية أكثر من مليوني نسمة بقي فيها حالياً حسب إحصائيات تقديرية 400 ألف شخص فقط، بعد أن دخلت جماعات المعارضة المسلحة في عام 2011 إلى الغوطة الشرقية وبسط تنظيما «جبهة النصرة» و«جيش الإسلام» سيطرتهما على المدينة. وفي أواخر 2015 بدأ الجيش السوري هجوماً حتى نهاية 2016 حيث انتهت المعارك هناك، وتم إدراج المدينة ضمن قائمة مناطق «خفض التصعيد الأربع»، بموجب اتفاق تم التوصل إليه من قبل الدول الضامنة للهدنة في سوريا (روسيا وإيران وتركيا) في مفاوضات أستانا مايو 2017، إلا أن المنطقة كانت على حافة كارثة إنسانية وبحاجة لمساعدات عاجلة، فقد بدأت الأوضاع الإنسانية بالانحدار إثر تصاعد المواجهات بين القوات الحكومية و«جبهة النصرة». وظهر جلياً أن القوات الحكومية تسعى إلى حسم معركة الغوطة سريعاً بغية مواصلة عملياتها في محافظة إدلب، ومن ثم التحرك شمالاً لمهمة إسقاط السيطرة الأميركية الكردية عن الرقة. لن توقف أي تدابير مؤقتة- كالقرار الأممي- القتال، ففي نهاية المطاف يريد الأسد السيطرة على الغوطة الشرقية والقضاء على جيوب المعارضة المسلحة فيما الولايات المتحدة تركز اهتمامها على دعم الأكراد السوريين والأراضي شمالي نهر الفرات كورقة ضغط قد تستخدم يوماً ضد الأسد وحلفائه. وتأثير المجتمع الدولي محدود في إصدار قرار هدنة، والقرار مؤقت ومحدد بشهر، أما التفكير في إجراء عسكري ضد قوات الأسد والقوات الروسية الداعمة له فيندرج ضمن أحلام اليقظة غير الواقعية، فالتحالفات الدولية لا تدفع باتجاه التصعيد العسكري، كما أن تتبع منطق التحالفات في سوريا يعني الدخول في عمليات حسابية مبهمة تزيد المشهد السياسي في سوريا تعقيداً. والأمر الأساسي لا يكمن في صدور القرار بحد ذاته، بقدر ما يكمن في معرفة آليات وضمانات تطبيقه، ففي النزاع السوري الدموي المستمر منذ سبع سنوات ثمة قيود شديدة تكبل المساحة الإنسانية، فالقوات الحكومية والمعارضة المسلحة على اختلافهم يجيزون وصول المساعدات الإنسانية أو يمنعونها حسب استراتيجياتهم العسكرية وأهدافهم السياسية وهو ما ينطبق على منطقة الغوطة الشرقية التي ستخصص في النهاية للقوات الحكومية السورية. للحروب قوانينها ومعاهداتها ومتى ما فقدت الحرب هذه القوانين، فإنها تتحول إلى مذابح عشوائية وهو الحاصل اليوم في سوريا فلا نصر ولا هزيمة إلا للإنسانية.