يجب على العملاء الأجانب غير المسجلين في واشنطن الذين كانوا يتحركون وسط المنطقة الرمادية بين القانوني وغير القانوني دون مساءلة أن يشعروا بالقلق من المحقق الخاص روبرت مولر. ويركز معظم الأميركيين على تحقيق المدير السابق لمكتب التحقيقات الاتحادي (إف. بي. أي.) بشأن تواطؤ محتمل بين الحملة الانتخابية الرئاسية لدونالد ترامب والروس عام 2016. لكن صحائف الاتهام الكثيرة التي وجهها مولر حتى الآن تدور حول قانون نادراً ما يجري تطبيقه يلزم المحامين ونشطاء جماعات الضغط والمتخصصين في العلاقات العامة الذين توظفهم القوى الأجنبية أن يسجلوا بياناتهم في وزارة العدل. وعلى مدار عقود لم تضيع الوزارة موارد كثيرة في الإمساك بمنتهكي قانون تسجيل العملاء الأجانب، لكن هذا انتهى حاليا فيما يبدو. يتطلب هذا القانون قيام أي جهة أميركية تتلقى تمويلاً من الخارج (من دولة أو منظمة أو فرد) في إطار سياسي أو شبه سياسي بالإفصاح عن جميع المعلومات المتعلقة بهذا التمويل والأنشطة التي ستقوم بها. وتقدم هذه المعلومات إلى وحدة خاصة بوزارة العدل، والتي تتولى بدورها تسجيلها ثم نشرها على الرأي العام. وما علينا إلا أن نلقي نظرة على أحدث صحيفة اتهام ل«مولر» وجهها ضد «أليكس فان دير زوان» المحامي السابق في شركة «سكادن اربس»، وأقر «دير زوان» بالكذب على (إف. بي. أي) بشأن اتصالاته السابقة بمستشار حملة ترامب السابق «ريك جيتس». لكن هذه الاتصالات لم تتمحور حول التدخل الروسي في السياسة الأميركية، لكن حول العمل الذي قامت به الشركة التي ينتمي إليها «دير زوان» لصالح «فيكتور يانوكوفيتش» الرئيس الأوكراني السابق الموالي للروس. وكانت الشركة قد تقدمت بورقة تدافع عن قرار «يانوكوفيتش» بمقاضاة وسجن الرئيسة الأوكرانية السابقة «يوليا تيموشينكو»، وفي أكتوبر الماضي، أصدر «مولر» صحيفة اتهام إلى «جيتس» و«بول مانافورت» المدير السابق لحملة ترامب الانتخابية تضم طائفة من الجرائم التي تفاوتت من إصدار بيانات كاذبة إلى غسل الأموال. لكن جوهر صحيفة الاتهام تمثل في تقاعس «مانافورت» و«جيتس» عن تسجيل بياناتهم باعتبارهم عملاء أجانب يعملون لصالح يانوكوفيتش. وحتى التسوية القضائية لمايكل فلين، الجنرال المتقاعد وأول مستشار للأمن القومي في إدارة ترامب تتعلق بهذه الحملة على العملاء الأجانب. ويعترف الاتفاق القضائي بأن «فلين» تقاعس عن تسجيل بياناته باعتباره عميلا لتركيا في 2016، حين كانت شركته تتقاضى أكثر من 500 ألف دولار من رجل أعمال تركي. ولم يتضح حتى الآن ما مدى اتصال هذا بالتواطؤ الروسي. وتفويض مولر واسع النطاق ويتمتع المحقق بحرية تصرف واسعة لتعقب الأنشطة الإجرامية أينما وجدها. ولا نعلم أيضاً ما الذي قاله «فلين» ومعاون آخر سابق في حملة ترامب، وهو «جورج بابادوبولوس» لمحققي «مولر». لكن هناك شيئاً واضحاً، وهو أن سياسة التهاون غير الرسمية في التعامل مع انتهاكات قانون تسجيل العملاء الأجانب تقترب من نهايتها. ونورد هنا قصة صغيرة. فوفقاً لتقرير صادر عن المفتش العام لوزارة العدل عام 2016 لم تكشف الولايات المتحدة إلا عن سبعة انتهاكات لقانون تسجيل العملاء الأجانب بين عامي 1965 و2015. ويشير التقرير إلى أن عملاء «إف. بي. أي»، شكوا من أن قسم الأمن القومي في وزارة العدل «بطيء بصفة عامة» و«تقاعس عن الموافقة على اتهامات تتعلق بقانون تسجيل العملاء الأجانب». ولا تتجاوز العقوبة، إذا تم اكتشاف انتهاك، أكثر من التسجيل بأثر رجعي. والأكثر من هذا أن إقرار قانون الكشف عن جماعات الضغط عام 1995 قدم لكثير من العملاء الأجانب إمكانية تسجيل بياناتهم بموجب قواعد أقل تشدداً لعملهم لصالح المراكز البحثية والشركات الأجنبية. وهذه هي الثغرة التي استخدمها أولاً فلين الذي تقدم في عام 2016، بملف عمل شركته لصالح رجل الأعمال التركي «أكين البتكين». إيلي ليك* * كاتب أميركي متخصص في شؤون الأمن القومي والاستخبارات ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»