الطموح نحو تحقيق الأفضل وعدم الاكتفاء بالمتاح، يكاد يكون مؤشراً راسخاً يحكم أداء القطاعات الحكومية في دولة الإمارات العربية المتحدة. ورغم ما تحقق في مجالات التنمية الشاملة، فإن الطموح مستمر ومنفتح على العقول الشابة التي تثابر وتجتهد في سبيل ضمان مستقبل أكثر ازدهاراً للإمارات، في ظل رؤية الاستدامة والابتكار والإنفاق بسخاء على مشروعات ذات رؤية بعيدة المدى، وفي مقدمتها مشروعات الطاقة البديلة وصناعة الفضاء وتحقيق استدامة الموارد والحفاظ على البيئة وتنمية الابتكار. ويمكن القول إن التوجه نحو الابتكار يمثل عنواناً لمستقبل الإمارات. على هذا الأساس تجدد التفاعل والاهتمام وتكثفت الجهود خلال الأسابيع الماضية في كافة إمارات الدولة، ضمن فعاليات نوعية ومتواصلة تحت عنوان شهر الابتكار. وكما نعلم فإن الأفكار عندما تولد فإنها لا تبقى حبيسة العقول فقط، وإنما يكون لها وجود مؤثر على أرض الواقع يعكس طبيعة التشكل الحي للأفكار المبتكرة التي تتحول إلى مشروعات عملية. وإذا كانت التغطيات الإعلامية معنية بتسليط الأضواء فقط على الأنشطة ذات الحضور الرسمي والجماهيري، فإن ما يبذل من جهود في إطار تأصيل استراتيجية الابتكار يفوق ما تعكسه وسائل الإعلام وما تنشره من تغطيات. وذلك لأن الفعاليات المفتوحة للجمهور تعكس بعض الأجواء العامة ذات البعد الاحتفالي، بينما يكون الانهماك بتطوير المشروعات مستمراً من قبل المهتمين والمختصين على مدار العام. وعندما يستمر اهتمام وسائل الإعلام بتغطية مثل هذه الأنشطة الخلاقة والمبدعة، فإن ذلك ليس من باب التفاخر المجاني، بل المطلوب في كل المناسبات وعند تحقيق كل إنجاز جديد هو أن يسهم الأداء الإعلامي في بث روح التفاؤل، وتشجيع المبادرين الذين لا يزالون يقفون في الظل، بهدف تحفيزهم على التقدم بابتكاراتهم، والاشتراك في الأنشطة والمعارض الجماعية، لتداول الأفكار، والقيام بعصف ذهني إيجابي يفتح آفاقاً لتطوير الأفكار، وتحويلها إلى خطوات عملية ذات جدوى، وذات قابلية للتنفيذ، بما يخدم الإنسان والبيئة العامة على مستوى الإمارات والعالم. ولا شك أن إسعاد المواطن الإماراتي هو الهدف الأسمى والرؤية التي يتحدد على أساسها توجيه الأنشطة في مجالات الابتكار المتعددة، بحيث تكون الغاية منها توفير أسباب السعادة والرفاهية للإنسان. ومما يبشر بأهمية هذه الأنشطة أن تراكم التجارب وتواصل فعاليات الابتكار كل عام يعكس حجم الإصرار الإماراتي على تحقيق نقلات علمية في مجال التطوير والابتكار، من خلال تشجيع المهتمين بهذا الحقل وتحويله إلى سلوك دائم ومنتج لكل جديد ومفيد. ويأتي التركيز على القطاعات الخدمية الحكومية في هذا المجال نظراً لدورها الحيوي المباشر في الجوانب الخدمية التي تتطلب التطوير المستمر، لاختصار الوقت والجهد، وتحقيق أسرع وأفضل الخدمات للمواطنين. ومن ثمار التوجه نحو الابتكار أن الإمارات تتقدم كل عام في حقول جديدة ضمن المؤشرات العالمية، ويحق لنا أن نفخر في الإمارات بأن بلدنا تحول إلى منصة جاذبة للابتكارات، وبناءً على هذه الريادة كانت مشاركة الإمارات لهذا العام في اجتماعات منتدى دافوس الاقتصادي العالمي متميزة واستثنائية، من خلال تنظيم جلسة بعنوان «الابتكار وريادة الأعمال واقتصاد المستقبل»، جرت خلالها مناقشة دور الابتكار وريادة الأعمال في بناء قدرات اقتصاد المستقبل. واتساقاً مع هذا التوجه المستقبلي كانت الإمارات قد استحدثت ضمن هيكلها الحكومي وزارة للذكاء الاصطناعي، بالتزامن مع انتهاج رؤية وطنية تطمح إلى أن تكون الإمارات واحدة من أكثر الدول ابتكاراً في العالم بحلول عام 2021. ورغم أن التوجه نحو الاستثمار في مجالات الابتكار لا يزال في بدايته، فإن حجم المشروعات والأفكار التي تخضع للتطوير والدراسة في المختبرات المحلية للابتكار تشمل قطاعات متعددة، سواء في المجالات الخدمية الإلكترونية أو الإدارية أو الاقتصادية أو الصناعية. وطبقاً لدراسة حول مدى «جاهزية الابتكار لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة» فإن جهود قيادة الدولة أسهمت بشكل كبير ومباشر في تهيئة البيئة المناسبة لتعزيز ثقافة الابتكار وتحويلها إلى منهج عمل. ومن نقاط القوة في مجال الابتكار لدى حكومة دولة الإمارات، توفر قيادة ملهمة وداعمة، ووجود مواهب بشرية ذات كفاءة عالية، وقيام ثقافة متجددة، ووجود بيئة عمل داعمة للابتكار، مما أتاح منهجية عمل للوصول إلى رؤية الدولة وأهدافها التنموية المستدامة، وشكل ركيزة رئيسة للعمل الحكومي، وثقافة متجذرة في أوساط الموظفين والمتعاملين. ------------------ *كاتب إماراتي