في مثل الأسبوع الجاري منذ 15 عاماً، بينما كانت إدارة الرئيس جورج بوش الابن مشغولة في قرع طبول غزو العراق، تقدمت باقتراح إلى «اللجنة الوطنية الديمقراطية» مطالباً إياها بمعارضة التسرع في خوض الحرب. وذلك الاقتراح، الذي أيده أيضاً عضو الكونجرس آنذاك وزميلي في عضوية اللجنة «جيسي جاكسون»، حذر من أنه كانت لا تزال هناك أسئلة كثيرة من دون إجابات ولا بد من أخذها بالاعتبار قبل تأييد إرسال قوات لغزو واحتلال العراق. وقد شعرت بأنه كان من الأهمية بمكان أن نجري نقاشاً كاملاً قبل بدء الحرب وليس بعده. وبإيجاز، حذر الاقتراح المقدم للجنة من أنه سيكون خطأ أن نجفف الموارد ونشتت الانتباه عن الجهود المضنية التي لم تنته في أفغانستان؛ ومن أنه بانتهاك القانون الدولي وغزو العراق من دون تأييد هذا التحرك بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإننا بذلك نضع سابقة خطيرة للدول الأخرى؛ ومن أن إدارة بوش لم تكن قد حددت أهدافها الاستراتيجية من تلك الحرب، ولم تكن صادقة مع الشعب الأميركي بشأن تكلفتها وشروط الاشتباك، وتبعات الحرب؛ ومن أن زعزعة استقرار العراق من شأنها إحداث توتر في المنطقة؛ ومن أن الحرب ستسفر عن انتشار نزعة متطرفة معادية للولايات المتحدة؛ ومن خطر الالتزام طويل الأمد في دولة لا نكاد نعرف عنها الكثير. وحضّ القرار اللجنة الوطنية الديمقراطية على معارضة ذلك الاندفاع نحو الحرب، وحث إدارة بوش، بدلاً من ذلك، على مواصلة الجهود الدبلوماسية من أجل نزع أسلحة العراق، ومن أجل تحديد الأهداف والتكاليف والبنود ومدة الالتزام المتصورة من قبل الإدارة الأميركية للانخراط أو الحرب في العراق أمام الشعب والكونجرس الأميركي، إضافة إلى الاستمرار في العمل من خلال الأمم المتحدة والسعي للحصول على تأييدها الكامل في أية محاولة لحل الأزمة في العراق. وعند صياغة الاقتراح، كنت قد أخذت في الحسبان ما كان يوصف آنذاك بـ«مذهب باول»، وهي المبادئ التي صاغها قبل عقد سبق الحرب في العراق الجنرال كولن باول، والتي ارتكزت على تجاربه في فيتنام وعدد من الحروب الكارثية الأخرى التي شارك فيها الجيش الأميركي. وزعم باول أن الولايات المتحدة يجب ألا تدرس المشاركة بأية قوات في أي صراع ما لم: تكن الأهداف السياسية والعسكرية محددة بوضوح، وتوجد توقعات منطقية يدركها الكونجرس والشعب بشأن تكاليف تلك المشاركة ويؤيدانها، وأن تكون قد استنفدت الوسائل السلمية الممكنة كافة لحل ذلك الصراع. ولما كانت إدارة بوش لم تلب أياً من تلك الشروط، فقد تصورت أنه من العبثي أن ترسل الولايات المتحدة شبابها ونساءها إلى طريق الهلاك، والأهم من ذلك، أنني كنت قلقاً لأننا سنخوض صراعاً في دولة لا نعرف تاريخها ولا ثقافتها، ومن ثم، لم تكن لدينا فكرة عن تبعات الغزو والاحتلال. ولتلك الأسباب، تصورت أنه كان من المهم أن يسجل الحزب الذي أنتمي إليه معارضته لما شعرت «من صميم قلبي» أنه كارثة محدقة. والمشكلة التي اكتشفتها هي أننا كنا في بداية سباق الانتخابات الرئاسية لعام 2004، ولأن البعض كان يؤيد الحرب والبعض الآخر يعارضها، لم يرغب قادة الحزب في أن تتخذ اللجنة الوطنية الديمقراطية موقفاً محدداً، وتم حثي على عدم تقديم المقترح. واعترضت وأصررت على ضرورة مناقشة مسألة الحرب، وفي نهاية المطاف، تم السماح لي بتقديم الاقتراح والتحدث عن مزاياه، لكن لم يتم السماح بإجراء نقاش ولا التصويت عليه. وهو ما أتصور أنه كان خطأ! وقد كان ذلك خطأً مماثلاً لذلك الذي ارتكبه «الديمقراطيون» في سبتمبر عام 2002، قبل انتخابات التجديد النصفي في ذلك العام، فحينئذ، كانت إدارة بوش تدفع بقوة من أجل الحصول على تفويض بالحرب من الكونجرس. وفي مواجهة أساليب التنمر «الجمهورية»، رضخ الديمقراطيون في مجلس الشيوخ. وقد زعموا على نحو خاطئ أنهم إذا منحوا الرئيس ذلك التفويض فإنهم سيتمكنون من التركيز خلال الشهرين الأخيرين قبل الانتخابات على ما اعتبروه «قضاياهم الخاصة» من اقتصاد ورعاية صحية وغيرها. وقد حذرت عندئذ في اجتماع اللجنة الوطنية الديمقراطية من أن تلك الاستراتيجية كانت خاطئة. وأن إدارة بوش لن تمنحنا الفرصة للتركيز بعيداً عن الحرب. وفي عام 2003، كان «الديمقراطيون» أقلية في الكونجرس، ولم يكن بمقدورهم تعطيل حرب بوش، حتى إذا اجتمعوا على معارضتها. لكن مبدأ الاعتراض على حرب كان ينبغي أن نعلم أنها لن تمضي في مسار صحيح كان من شأنه أن يجعل موقفنا أقوى في الانتخابات المستقبلية. وقد أدركت أن ذلك النقاش بشأن الحرب سيستمر فقط بمرور الوقت، وقد حدث، وجرى بين المرشحين «الديمقراطيين» في منافسات 2004، وأصبح مرة أخرى عاملاً محورياً في انتخابات 2008 ومرة أخرى في السباق التمهيدي لانتخابات 2016. ولا يزال قرار خوض الحرب وتبعات ذلك القرار المشؤوم موضع نقاش حتى اليوم! جيمس زغبي* *رئيس المعهد العربي- الأميركي، واشنطن