بعد مرور أكثر من عام على تولي إدارة ترامب، أصبحت العلاقة الحيوية بين الولايات المتحدة وديمقراطيات أوروبا الغربية بلا هدف. فقد أصبح فشل الولايات المتحدة في قيادة الطريق قدما من أجل تحالف عبر الأطلسي واضحا تماما في نهاية الأسبوع الماضي في ألمانيا، حيث مؤتمر الأمن في ميونيخ، وهو اللقاء السنوي الرئيسي للدبلوماسية الأوروبية، كانت هناك مهمة واضحة: إعادة تنشيط التحالف الأميركي مع الديمقراطيات الأوروبية، والذي أنشأه المؤتمر من أجل الدفاع عنه بعد الحرب العالمية الثانية. وقد أسس «إيفالد هاينريش فون كلايست»، وهو ضابط ألماني شارك في مؤامرة اغتيال أدولف هتلر، الاجتماع السنوي في عام 1963 لتعزيز هذا التحالف، والنظام الدولي الليبرالي والقيم التي يعززها. ولكن في حدث هذا العام، تم تقليص وجود الولايات المتحدة. حتى عندما تحدث مسؤولون أميركيون، فشلوا في طمأنة الحلفاء الذين يشعرون بالقلق بأن إدارة ترامب تدعمهم. وبعد ذلك، فشلت إدارة ترامب أيضا في تقديم رؤية تطلعيه للعلاقات بين الأميركية – الأوروبية أو اقتراح حلول حقيقية للمشاكل المشتركة. في معظم السنوات، كان وزراء الخارجية أو الدفاع (أو كلاهما) يخاطبون المؤتمر. وفي العام الماضي، ألقى نائب الرئيس «مايك بينس» ووزير الدفاع «جيم ماتيس» بخطابات رئيسية تهدف إلى طمأنة الحلفاء القلقين بشأن خطاب الرئيس دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية. أما في هذا العام، فلم يتحدث أي مسؤول على مستوى مجلس الوزراء في إدارة ترامب. فقد كان ماتيس ومدير وكالة الاستخبارات المركزية «مايك بومبيو» في الفندق، ولكن فقط من أجل عقد لقاءات خاصة. أما وزير الخارجية «ريكس تيلرسون»، فقد حلق حرفياً فوق ألمانيا في طريق عودته من تركيا، لكنه لم يعبأ بالتوقف، وأوفد نائبه ليحل محله. وقال السفير الأميركي السابق لدى حلف الناتو «إيفو دالدر»: «لقد كانت الولايات المتحدة إلى حد كبير غائبة في مؤتمر الأمن في ميونيخ. وكان قرار ماتيس بعدم إلقاء كلمة أمام المؤتمر أسوأ من عدم ظهوره على الإطلاق». وقد ألقى مستشار الأمن القومي «إتش أر ماكماستر» الكلمة الوحيدة لإدارة ترامب، حيث أعلن أن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية لعام 2016 «لا جدال فيه» بعد أن وجه المستشار الخاص «روبرت مولر» الاتهام ل13 شخصاً وثلاث شركات روسية. ولم يخفف من تأثير هذا الإعلان سوى تقويض ترامب لماكماستر في تغريدة له بعد ذلك بساعات. وأشار العديد من الحضور إلى ما لم يقله ماكمستر. فهو لم يقدم استراتيجية لمكافحة التدخل الروسي أو خطة لتعزيز النظام الليبرالي الغربي في مواجهة تراجع القيم الديمقراطية وصعود الشعبوية الأوروبية. وقال «دالدر»: «لم تعد الولايات المتحدة تحاول حل المشاكل في أوروبا أو مع أوروبا. هل هناك من يتطلع إلى واشنطن لإيجاد حل؟ وإلى أي مدى تقدم حلولا، إنها حلول سلبية». وقد عارض بعض المسؤولين الأوروبيين في المؤتمر إدارة ترامب التي تطالب بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. ودافع آخرون عن خطط تدعو الاتحاد الأوروبي إلى تطوير دفاعه المشترك، وهو مشروع تراقبه الولايات المتحدة ومسؤولو «الناتو» بحذر. وهناك بعض التطورات الجيدة في سياسة إدارة ترامب الخاصة بأوروبا. فقد قامت الإدارة بزيادة دعم الدفاع في إطار مبادرة الطمأنينة الأوروبية، والتي بدأت في عهد إدارة أوباما. وقامت وزارة الخارجية بتعيين «ويس ميتشل»، الذي يحظى باحترام الحلفاء، ليشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا. ولكن لا يوجد توضيح حتى الآن بشأن الكيفية التي تنظر بها إدارة ترامب للاتحاد الأوروبي، ولا توجد أجندة تجارية إيجابية. ولم يظهر ترامب نفسه كداعم قوي للتحالف عبر الأطلسي، وأحيانا يردد الخطاب الشعبوي الذي يخشاه الحلفاء الأوروبيون الغربيون. تقول «إيفيلين فاركاس»، مسؤولة البنتاجون السابقة وحاليا زميلة بارزة في المجلس الأطلسي «أخبرني ماذا يريد ترامب في أوروبا. هناك استمرارية مع الإدارات السابقة على مستوى العمل، لكنك بحاجة إلى قيادة لجعل الأمر يهم». وعلى الرغم من هذا الوضع، فقد ذكر لي العديد من الأوروبيين في المؤتمر أنهم لا يزالون مخلصين للتحالف عبر الأطلسي، وهذا في الغالب لأنه لا يوجد بديل أفضل. وقال كثيرون إن إدارة ترامب ستمثل انحرافا في تاريخ الولايات المتحدة وكل ما على أوروبا فعله هو التمسك بها وانتظار عودتها. وقال «كارل كايسر»، أستاذ العلوم السياسية الألماني: «يتعين على الآخرين الاحتفاظ بالضوء حتى تعود أميركا لتشرق على التل. إننا لا نتخلى عن الأميركيين، الذين أنقذونا من النازيين وقدموا لنا الحماية من الروس». والشيء المفقود في رسالة إدارة ترامب «أميركا أولا» هو الاعتراف بأن الولايات المتحدة تفيد نفسها عندما تفيد الآخرين. *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»