اكتسح حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم في الهند، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، انتخابات 2014 الوطنية، فسحق الحزب الحاكم وقتئذ «المؤتمر الوطني الهندي» في أسوء هزيمة له على الإطلاق، حيث قلص عدد أعضائه من 206 إلى 44 مقعداً فقط في البرلمان البالغ عدد مقاعده 543. هذا الانتصار الكبير حققه الحزب نتيجة حملة قوية ضد الفساد، الذي كان متفشياً على ما يفترض خلال الحكومة الائتلافية السابقة التي قادها حزب «المؤتمر»؛ حيث اتُّهم العديد من السياسيين الكبار والوزراء والمسؤولين الحكوميين بالتورط في فضائح مالية ورشى ووُعدوا بعقوبات قاسية لتخليص البلاد من هذا التهديد. ومعلوم أن الادعاءات والاتهامات بالفساد والرشى جزء من الحملات الانتخابية في كل ديمقراطيات العالم الثالث تقريباً. وقد استفاد حزب المعارضة وقتئذ، بهاراتيا جاناتا، كثيراً من استراتيجيته للعودة إلى السلطة، في وقت كان فيه اقتصاد البلاد ينمو بسرعة بين 7.5 و8 في المئة تحت حكم رئيس الوزراء «مانموهان سينج»، وهو عالم اقتصاد ذو شهرة عالمية. وعندما استلمت الحكومة الجديدة زمام الحكم، وعد رئيس الوزراء ناريندرا مودي البلاد بمواصلة دفع الاقتصاد إلى الأمام، وخلق وظائف جديدة، ومحاسبة الفاسدين. ولكن آمال الناس العاديين سرعان ما تحطمت مع قرار «مودي» وقف التعامل بالأوراق النقدية من الفئات عالية القيمة والذي أدى إلى مشاكل بالجملة عبر البلاد؛ حيث انخفض النمو الاقتصادي إلى 5.5 في المئة. كما أدى قرار تطبيق نظام ضريبي جديد، اتُّخذ بتسرع، إلى اضطراب اقتصادي في البلاد. ومؤخراً، هزت فضيحة مالية ضخمة البلاد. ذلك أن تاجر الماس الهندي الشهير نيراف مودي، الذي سبق له أن ظهر على كتالوجات «داري كريستيز» و«سوذبيز» للمزادات، كان ضمن وفد رجال الأعمال ومديري الشركات الكبرى الذي رافق رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الشهر الماضي. ولكن هذا الرجل بات مصدر حرج كبيراً لرئيس الوزراء الهندي. إذ على الرغم من أنه ليس من أقارب ناريندرا مودي المباشرين، فإنه ينتمي إلى ولاية رئيس الوزراء غوجارات. وقد فر مع أفراد أسرته بعد أن احتال على ثاني أكبر بنك هندي وأخذ منه ملايين الدولارات. والأسبوع الماضي، كشف «مصرف بانجاب الوطني» عمليات احتيال من قبل الملياردير تاجر المجوهرات «نيراف مودي» وشركات مرتبطة به تصل إلى 1.77 مليار دولار. في قضية الاحتيال هذه، تواطأ «نيراف» والشركات مع مسؤولين كبار للحصول على ضمانات لمساعدة المشتري على تمويل ائتمانه من بنوك أخرى في الخارج. قضية الاحتيال هذه أخذت تحرج «ناريندرا مودي» لأنه على الرغم من تلقي رئيس الوزراء ووكالات أخرى معنية شكاوى مكتوبة ضد المحتال، فإنه لم يتم اتخاذ أي إجراءات ضده؛ وبدلاً من ذلك، سُمح له ولعائلته بمغادرة البلاد بهدوء من قبل السلطات. والآن، هناك علامات تعجب واستفهام كثيرة بخصوص مشاركة «نيراف مودي» في الوفد الهندي الرسمي في دافوس، والذي التقطت له صور مع ناريندرا مودي. فرار «نيراف مودي» يأتي عقب فشل حكومة «مودي» في إرجاع عدد من رجال الأعمال الآخرين المطلوبين في الهند بسبب جرائم مالية مثل رجل الأعمال البارز وعضو حزب رئيس الوزراء مودي في البرلمان الهندي فيجائي ماليا. فهذا الأخير عجز أيضاً عن تسديد ما بذمته من ديون ومتهم بالاحتيال والتآمر الإجرامي في قضية قرض بقيمة 9.50 مليار روبية هندية حصل عليه من بنك هندي آخر. ومن أصل ذلك المبلغ، تم إخراج 2.54 مليار روبية، كان يفترض أن تخصص لشراء قطع غيار طائرات لشركته «كينج فيشر إيرلاينز»، من الهند. ومن بين الأشخاص الآخرين المطلوبين أيضاً «لاليت مودي»، وهو رجل أعمال هندي كان جد مقرباً من قادة حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم. والواقع أن هذه القضايا ليست سوى بعض من بين عدد من القضايا الأخرى التي أخذت تؤلم حكومة «مودي»، ذلك أن إلغاء التعامل بالأوراق النقدية من الفئات الكبيرة قلّص السيولة من النظام المالي، ما أضر بالشركات الصغيرة والمناطق الريفية التي ما زالت تحاول التعافي من قرار الإلغاء؛ والبطالة ما زالت تمثل مشكلة خطيرة، حيث ينضاف الملايين إلى سوق العمل كل سنة؛ ومودي فشل في الوفاء بوعد خلق ملايين الوظائف؛ والمزارعون في المناطق الريفية يعانون بسبب تراجع المداخيل والأمطار غير الموسمية. وكل سنة، يقدم مئات المزارعين على الانتحار بعد عجزهم عن تسديد ديونهم. وفي مؤشر على مشاعر الغضب والاستياء في المناطق الريفية، وعلى الرغم من فوز حزب «بهاراتيا جاناتا» الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، في الانتخابات الأخيرة في غوجارات، فإن أداءه كان ضعيفاً في المناطق الريفية التي كانت تمثل على مدى عقود معقلاً للحزب. كما خسر في الانتخابات الجزئية ثلاثة مقاعد في راجاستان، وهي واحدة من ثماني ولايات ستجرى فيها الانتخابات قريباً. ولئن كان «مودي» يظل الزعيم الأكثر شعبية في الهند، فإن بعض هذه المشاكل بدأت تضر بحكومته. *رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي