قبل يومين فحسب من المجزرة المروعة التي شهدتها مدينة باركلاند بولاية فلوريدا وأدت إلى موت 17 شخصاً يوم الأربعاء الماضي، أعلنت شركة «ريمينجتون، أنها أعدت ملفها للحماية من الإفلاس. وعُرف عن هذه الشركة بأنها أكبر مُصنّع للبنادق في العالم. وبالإضافة للبنادق الشهيرة التي تحمل اسمها، فهي تضم علامات تجارية أخرى تابعة لها مثل «بوشماستر» و«مارتن» و«دي بي إم إس». وتمتلكها شركة مساهمة خاصة تدعى «سيربيروس كابيتال مانجمنت» يمتلكها ويديرها «ستيفن فاينبيرج»، وهو ملياردير ومستثمر كبير وصديق شخصي للرئيس دونالد ترامب. وكانت بنادق «ريمينجتون» نصف الآلية قد استخدمت عام 2012 بتنفيذ مذبحة «أورورا»الجماعية في كولورادو وأيضاً في مذبحة «ساندي هوك» التي اهتزّ لها الرأي العام في أميركا. وفي أعقاب حادثة القتل الجماعي التي شهدتها مدرسة «ساندي هوك» الابتدائية، قال «فاينبيرج» إنه يعتزم بيع شركته ولكنّه لم يفعل ذلك. وبعد ذلك بعام، عمد إلى تغيير اسم الشركة إلى«ريمينجتون أوت دور كومباني». ونجمت المشاكل المالية التي تعاني منها شركة «ريمينجتون» من أخطائها الذاتية ومن تراجع الطلب على المنتجات التي تصنعها بشكل عام. وبين عامي 2016 و2017، انخفضت عوائدها المالية من 865 إلى 688 مليون دولار. وشهدت شركة «أميركان براندز كوربوريشن» المنافسة لها انخفاضاً مشابهاً في عوائدها خلال الفترة ذاتها من 740 إلى 656 مليون دولار. وليس سرّاً القول إن سبب هذا التراجع في مبيعات البنادق هو وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض. فمن خلال الدعم القوي الذي تحظى به «رابطة البنادق الأميركية» في إدارة ترامب، انخفض عدد مالكي البنادق على خلفية توقعات بسحبها تماماً من أصحابها من طرف الحكومة. ولهذا السبب، لم يعد الأميركيون يتسابقون للوصول إلى أقرب مخزن لبيع الأسلحة الفردية كلما سمعوا بمذبحة قتل جماعي مثلما كانوا يفعلون عندما كان باراك أوباما رئيساً. وانخفض أيضاً عدد مالكي البنادق عما كان عليه سابقاً حتى أصبح أقل من ثلث أرباب البيوت الأميركيين يمتلكونها اليوم بالمقارنة مع نصف عددهم عام 1973 وفقاً لإحصائيات موثقة أجراها «المركز الوطني لبحوث الرأي» التابع لجامعة شيكاغو. وجاء في تلك الدراسة أن نصف البنادق التي يمتلكها الأميركيون تقع في أيدي 3 بالمئة فقط من السكان البالغين. فلو أرادت صناعة البنادق أن تعود إلى رشدها في أثناء فترة بقاء ترامب رئيساً، فيتوجب عليها أن تفعل أمرين: فهي تحتاج أولاً إلى رفع نسبة مالكي السلاح من البالغين عن النسبة الحالية التي تبلغ 3 بالمئة، وتحتاج ثانياً إلى ابتكار منتجات جديدة تدفع المشترين إلى العودة لشراء البنادق. وأنا أقصد بذلك صناعة البنادق الذكية. لأن هذه البنادق تستخدم تكنولوجيا متطورة للتعريف باسم أصحابها بشكل دائم وتمنع استخدامها من طرف أي شخص آخر بطريقة آلية. ومازالت هذه التكنولوجيا في مرحلة البحث والتطوير منذ عدة سنوات. ومعظم البنادق الذكية تستخدم إما«الطوابع البيولوجية» لأصحابها أو الموجات اللاسلكية، إلا أن المشكلة تكمن في أن «رابطة البنادق الوطنية» وحلفاءها أصدرت أمرا بوقف تلك البحوث. وأنا لا أرغب بالمبالغة في ذكر حسنات ومزايا البنادق الذكية لأنني أعلم أنها لن تتمكن من تجنيبنا حوادث القتل الجماعي كتلك المذبحة التي شهدتها فلوريدا مؤخراً، وحيث اتضح أن المجرم اشترى بندقيته بطريقة قانونية، بل لأنها ستمنع الناس من ارتكاب جريمة إطلاق النار من بنادق لا يمتلكونها فعلاً، ومن شأن ذلك أن يخفف من حوادث العنف بشكل عام والتي تتراوح بين الانتحار وحوادث إطلاق النار من الأطفال وحتى ارتكاب جرائم القتل باستخدام الأسلحة المسروقة. والسؤال المهم الذي يتبادر إلى الأذهان هنا: لماذا عارضت رابطة البنادق الوطنية تطوير بحوث البنادق الذكية؟. والجواب هو أنها كانت تخاف من أن يصبح امتلاكها شائعاً بين الناس. ويتوجب على مشرّعي الكونجرس في هذه الحالة إصدار قرار يقضي بأن تتضمن كل البنادق المرخصة تكنولوجيا التعرّف على أصحابها. وهذا أمر صعب التطبيق في الواقع. وبالرغم من هذا الموقف المخيّب للآمال من طرف رابطة البنادق الوطنية، كانت ولاية نيوجيرسي سباقة لإجازة قانون محلي يُلزم المشترين ألا يشتروا إلا البنادق الذكية، وبحيث لا يكون القانون ساري المفعول إلا بعد أن تصبح تلك التكنولوجيا شائعة في كل مدن الولايات المتحدة. ويرى المدافعون عن فكرة مراقبة استخدام البنادق الفردية أن رابطة البنادق الوطنية وحلفاءها لن يسمحوا أبداً بهبوط البنادق الذكية إلى الأسواق. وهذا هو العائق الأكبر أمام اعتماد هذه الفكرة. *محلل اقتصادي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»