بعد خوض معارك مضنية والتوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل ائتلاف حكومي، يواجه أكبر حزبين سياسيين في ألمانيا مأزقاً، إذ يعانيان من تراجع شعبيتهما إلى أدنى مستوى على الإطلاق، ولن ينجحا على الأرجح سويّا في تحقيق أغلبية إذا ما عقدت انتخابات جديدة في الوقت الراهن. وعلى رغم من ذلك، تعتبر ألمانيا واحدة من الدول الديمقراطية التي يبدو فيها النظام السياسي قديم ومنهك. ويبدو أنه قد تأخر ظهور جيل جديد من السياسيين ليحل محل الجيل الحالي في أرجاء الدول الغربية. ويعتبر النظام السياسي في ألمانيا، الذي ضرب بجذوره بعد الحرب العالمية الثانية بمشاركة نشطة للدول الغربية المنتصرة في الحرب، من أحدث الأنظمة وأكثرها عقلانية في العالم. بيد أن غياب حدود زمنية للمسؤولين المنتخبين يبدو غير ديمقراطي بطريقة ما للشعوب التي اعتادت على ذلك، مثل الشعب الأميركي، إلا أنها تعتبر ممارسة أوروبية نموذجية، وتهدف إلى الحفاظ على السلام، وهو هدف مهم في ضوء تاريخ ألمانيا. وقد أظهر أحد الأبحاث أن الدول التي توجد فيها حدود زمنية للمناصب المنتخبة أكثر ميلاً للصراعات، لاسيما أن القادة في فترتهم الأخيرة يميلون إلى الشعور بأنهم أقل عرضة للمحاسبة. ورغم ذلك، هناك جانب آخر سيئ في هذا النظام، فميزة البقاء في المنصب تقف حجر عثرة أمام تجديد الدماء داخل الأحزاب التي تصل إلى السلطة. وتتقدم أعمار قاعدة أعضاء الحزب إلى جانب قادتهم الذين يبقون في المناصب. ففي عام 2006، كان نحو 47 في المئة من أعضاء حزب «الاتحاد الديمقراطي» المسيحي المحافظ بقيادة أنجيلا ميركل، التي كانت قد انتخبت حديثاً، و45 في المئة من أعضاء «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» الشريك في الائتلاف الحاكم، في عمر الـ60 أو أكبر، وفي عام 2016، مع بقاء الحزبين نفسهما في الحكم، كان 51.5 في المئة من أعضاء حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، و54.3 في المئة من «الديمقراطيين الاشتراكيين» أكبر من 61 عاماً. ويثير ذلك التقدم السريع في أعمار قاعدة المواليين قلق أنصار الحزبين من الشباب، وليس من قبيل المصادفة أن «كيفين كوهنرت»، قائد جناح الشباب في الحزب «الديمقراطي الاشتراكي» البالغ من العمر 28 عاماً، دشّن حملة شرسة داخل صفوف الحزب ضد تشكيل ائتلاف موسع جديد بين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» و«الديمقراطيين الاشتراكيين». ويساوره القلق، وآخرون مثله، من ألا يكون هناك مستقبل لحزب من كبار السن، مشككاً في أن يكون ملائماً للانتخابات المقبلة. وفي الوقت الراهن، يرغب كبار رموز «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» تسليم القيادة من «مارتين شولز»، الذي تضاءلت شعبيته بين الأعضاء بسبب قيادته لـ«الديمقراطيين الاشتراكيين» إلى أسوأ نتيجة انتخابية له على الإطلاق في سبتمبر الماضي، وتعرض أيضاً لانتقادات بسبب استغلاله محادثات تشكيل الائتلاف من أجل الحصول على منصب وزير الخارجية الذي لطالما رغب فيه. وقد كان «أندريا ناهليز»، زعيم الهيئة البرلمانية للحزب الديمقراطي الاشتراكي، البالغ من العمر 47 عاماً، هو المرشح المفضل لخلافة «شولز»، وعلى رغم من أن «ناهليز» متحدث لبق، ويحظى بشعبية لدى جناح اليسار داخل الحزب، فإن عمدة «فلينسبيرج»، «سيمون لانج» البالغ من العمر 41 عاماً، أقحم نفسه في الإجراءات، قائلاً: «إن أعضاء الحزب لهم الحق في التصويت بدلاً من إبرام صفقة في غرفة مغلقة». ويُشكّل ذلك دلالة آخر على استياء شباب «الديمقراطيين الاجتماعيين»، وتعطشهم للتجديد. وعلى رغم من أنه لا يوجد شخص مكافئ لـ«كوهنرت» في حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، فإن زعيم الشباب في الحزب «باول زيمياك»، البالغ من العمر 32 عاماً، اكتسب مؤخراً شهرة بحسن أخلاقه، وانحاز إلى «جينز سبان»، البالغ من العمر 37 عاماً، الذي تُعول عليه القاعدة الحزبية بشكل كبير. و«سبان» أكثر تشدداً من ميركل بشأن الهجرة، لكنه يحظى بتأييد كثير من الناخبين الليبراليين. وتدعو أصوات كثيرة نافذة في «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» إلى تغيير القيادة قبل الانتخابات المقبلة. من جانبها، كررت ميركل، البالغة من العمر 63 عاماً، نيتها الاستمرار في المستشارية فترة كاملة مدتها 4 سنوات، لكنها وعدت في نهاية الأسبوع الماضي بإفساح الطريق أمام جيل جديد من السياسيين في الحزب، عارضة بذلك «الفرص أمام الشباب من ذوي التطلعات السياسية». ويعني ذلك أنه ربما تكون هناك وجوه أكثر شباباً من المتوقع في الوزارة المقبلة، وفي المناصب العليا داخل الحزب. ويبقى السؤال: هل سيتمكن السياسيون الشباب من نقل الأحزاب العملاقة نحو أجندة أكثر حداثة، بما في ذلك التعامل بصورة أفضل مع العصر الرقمي، وإصلاح التعليم لكي تواكب ألمانيا الاتجاهات الراهنة، إضافة إلى مزيد من الاهتمام بالبيئة. وحتى الآن، تبدو الأحزاب الهامشية، مثل حزب «الديمقراطيين الأحرار الليبراليين» و«الخضر» أكثر إدراكاً لهذه القضايا، إذ يناهز متوسط أعمار أعضائها الخمسينيات وليس الستينيات، ويبدو قادتها أكثر شباباً من ذلك. وإذا أخفقت ميركل في تمكين جيل جديد كما وعدت، فإن الأحزاب الصغيرة قد تكون لديها فرصة أفضل في انتخابات 2021، وحتى في الوقت الراهن، لا يبدو أن هناك تباعداً بينها وبين «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» في استطلاعات الرأي. ولا بد من الأخذ في الاعتبار أيضاً أن حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف أكثر شباباً من الأحزاب الراسخة، وإن لم تكن هناك بيانات رسمية حول أعمار أعضائه بعد. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»