أدى اتهام الشرطة الإسرائيلية لنتنياهو زعيم حزب «ليكود» ورئيس الوزراء بالفساد وتلقي رشوة إلى إثارة عاصفة سياسية متعددة الصور حول الرجل. المؤيدون له يرون أنه بريء وأنه يتعرض لعملية تشويه تشارك فيها الشرطة مع خصومه السياسيين. أما المعارضون له فيرون أنه مدان قبل أن يقف أمام المحكمة لتقرر في أمره. صاحبت هذا التحرك مظاهرات تطالب برحيل الرجل من المنصب ومظاهرات أخرى تدافع عنه وتؤيده. وكان طبيعيا أن تدخل مراكز الأبحاث المتخصصة في استطلاع اتجاهات الرأي العام إلى قلب العاصفة فتدفقت نتائج استطلاعات رأي تفيد أن نصف الجمهور يصدق التهم وأن نسبة كبيرة تطالب بضرورة أن يترك منصبه دون أن تؤثر هذه المواقف على استمرار شعبية «ليكود» وسياساته التي رسخها نتنياهو. طبعاً ما يهم القارئ العربي هو السؤال القائل: هل في إدانة نتنياهو ورحيله من مقعد الحكم مصلحة للقضية الفلسطينية وقضية السلام العادل والشامل؟ إن الإجابة الأولية التي توفرها أمامنا معطيات اللوحة السياسية في إسرائيل تفيد بازدهار سياسات اليمين واتساع قاعدتها الشعبية. هذه السياسات عززها شارون مع بداية الألفية الجديدة بقمع انتفاضة الأقصى، واستأنفها نتنياهو منذ صعد إلى مقعد الحكم قبل تسع سنوات ببرنامج تكثيف الاستيطان وتجميد عملية السلام وصولا إلى الحصول من ترامب على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتلويحا بضم مناطق الاستيطان في الضفة إلى دولة إسرائيل قريبا وحرمان الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس. إن تزايد شعبية سياسات اليمين التوسعية هذه سيبقى المحدد الرئيسي لنوع الحكومة الإسرائيلية المقبلة وتوجهاتها حيال القضية الفلسطينية وبالتالي فلست أتوقع إذا أدين نتنياهو في المحكمة أو إذا أجبرته الضغوط السياسية على الاستقالة، أن تحل محل حكومته اليمينية حكومة معتدلة تميل إلى حل الدولة الفلسطينية، كما لا أتوقع أن يفوز حزب آخر غير حزب نتنياهو، وهو «ليكود»، بأغلبية مقاعد الكنيست. وأتوقع أن يتبنى السياسي الليكودي الذي سيفوز برئاسة حزب «ليكود» بدلا من نتنياهو سياسات لا تقل تطرفا عما طبّقه نتنياهو، فقد أثبتت هذه السياسات قدرتها على تحقيق الأطماع التوسعية في الضفة الغربية من ناحية والحفاظ في نفس الوقت على درجة عالية من الأمن للمجتمع الإسرائيلي من ناحية ثانية رغم السخط الفلسطيني. ومن هنا فالسؤال الذي يواجه المراقبون يقول: ما هي يا ترى الدوافع التي يمكن أن تغير اتجاهات غالبية الناخبين الإسرائيليين لتجعلهم يعدلون عن إعادة انتخاب «ليكود» لرئاسة الحكومة وانتخاب أحزاب اليسار لتشكيلها إذا ما اختفى نتنياهو من الصورة؟ عادة كان يقال إن معارضة الولايات المتحدة للسياسات اليمينية المعرقلة للسلام كانت تقنع الجماهير الإسرائيلية بالتوجه لمعسكر السلام اليساري حفاظا على علاقات التحالف مع الدولة الأعظم، كما حدث في انتخابات 1999 التي خسرها نتنياهو أمام إيهود باراك، غير أن هذا المعطى لم يعد قائما وبالتالي فلا خوف لدى الجماهير على هذا التحالف مع استمرار اليمين في الحكم. ليس غريباً مع هذا المد اليميني أن يقوم برلماني قيادي في «ليكود»، وهو رئيس لجنة الكنيست «ميكي زوهار»، بحملة لكسب التعاطف الجماهيرى مع نتنياهو ووضعه في صورة الشهيد السياسي الذي يتعرض للاغتيال المعنوي من معارضيه بسبب سياساته المخلصة لمبادئ اليمين والتهام الضفة الغربية، لدرجة أن هذا البرلماني شبّه التهم القانونية الموجهة لنتنياهو بحملة التحريض التي أدت إلى اغتيال رابين!