ينص الدستور على أنه يتعين على الرئيس عند تولي السلطة أن يُقسم قائلاً: «أقسم بأن أخلص في أداء عملي رئيساً للولايات المتحدة، وسأفعل كل ما يمكنني فعله للحفاظ على دستور الولايات المتحدة وحمايته والدفاع عنه». وفي وجه أي هجوم كذلك الذي ارتكبه عملاء روس، والذي تم تسجيله الآن بشكل حاسم في لائحة الاتهام الأخيرة التي أصدرها روبرت مولر، ليس ثمة دفاع عن الدستور أهم من استعادة أواصر التفاهم المتبادل بين المواطنين. ولم يكن الهجوم المرتكب ضدنا اغتيالاً لأي مسؤول في السلطة، ولا قصف منشأة عسكرية، ولا انتهاكا مباشرا للقوانين أو المؤسسات أو القواعد أو الإجراءات الأميركية، وإنما كان الهجوم علينا نحن كشعب، فنسيج العلاقات فيما بيننا قد انقسم. ومن الغريب تماماً أن هناك بصيص ضوء في التفاصيل التي تكشفت خلال الأشهر القليلة الماضية بشأن الإشكالات الروسية، فقد اتضح عندما بدأ ذلك كله أننا لم نكن نكره بعضنا بقدر كبير مثلما يبدو عليه الأمر في الوقت الراهن. وعندما احتشدت مجموعة تأسست عبر «فيسبوك» للدفاع عن انفصال تكساس أمام مبنى المجلس التشريعي للولاية وطالبت بـ«وقف أسلمة تكساس»، واحتشدت مجموعة أخرى منفصلة في المكان والتوقيت ذاتهما تحت شعار «أنقذوا المعرفة الإسلامية»، لم تكن هذه مواجهة حقيقية فيما بيننا، وإنما الروس هم من حاولوا الإيقاع بنا لكي يُقاتل بعضنا بعضاً. وفي نوفمبر عام 2016، بعد الانتخابات، عندما احتشدت مجموعة في نيويورك تحت شعار «أظهروا التأييد للرئيس ترامب»، وفي اليوم ذاته، احتشدت مجموعة أخرى في نيويورك ترفع العلم الأميركي وتقول «ترامب ليس رئيسي»، كان ذلك بسبب إذكاء الروس للعداءات فيما بيننا. وبالطبع، سقطنا في الفخ، فقد كان هناك انقسام وجفاء حقيقي ينتظر تفعيله، لكن بصيص الضوء حقيقي أيضاً، فعلى رغم من وجود قدر كبير من الاختلافات الكامنة بشأن الرعاية الصحية وإطلاق النار من قبل الشرطة والهجرة، إلا أننا لم نكن نميل إلى المواجهة في الشوارع. ويرجع ذلك بشكل كبير، إلى أنه لم يكن يخرج للتظاهر سوى مجموعة في كل مرة، وكنا نعبر عن إحباطاتنا في اجتماعات مجالس المدنية، وقبل توجيه الاتهامات، كنا في الحقيقة نتشبث بالسلام. ولم يحدث أبداً أن خرجنا إلى الشوارع ونخربها. وبناء على ذلك، تعتبر المهمة الأولى والأكثر أهمية للرئيس، في مواجهة التهديد الذي يمثله الهجوم الروسي هو استعادة ذلك السلام الاجتماعي. ونحن الشعب نشكل أساساً لصرح الدستور ومؤسساته السياسية. والاختلاف والنقاش والمحاججة.. جميعها من سمات الديمقراطية النشطة، لكن تدهور الصراع إلى مستوى المظاهرات المضادة الروتينية التي تنزلق إلى المواجهات بين المتظاهرين يشكل انقياداً لمشكلة التحزب. وعندما وضع الرئيس الرابع للولايات المتحدة «جيمس ماديسون» ورفاقه الدستور الأميركي، كان من بين أهم تطلعاتهم هو القضاء على احتمال وقوع شقاق من شأنه زعزعة استقرار النظام الجديد. وتصوّر أن اتساع مساحة الولايات المتحدة الأميركية بجبالها وأنهارها إلى تفريق السكان، وكانت صعوبة التواصل الناجمة عن ذلك ضمانة لعدم التنسيق بين أصحاب الرؤى المتطرفة واجتماعهم في مكان واحد. ونتيجة لذلك، كانوا عاجزين عن تحقيق درجة من التأثير كافية لتشويه وزعزعة الإجراءات السياسية. غير أن منطق «ماديسون» بشأن مساعدة جغرافيا الدولة الجديدة في تبديد خطر التحزب، لم يعد قائماً، فثمة تأثير لوسائل التواصل الاجتماعي على نظامنا السياسي، تمثل في إبطال قيمة الجغرافيا باعتبارها عنصراً في نظامنا المؤسساتي. وأضحى التنسيق بين أصحاب الرؤى المتطرفة من السهولة بمكان في أرجاء الدولة. والأخطر من ذلك أنه من الممكن التنسيق فيما بينهم، قبل حتى أن يفكروا هم أنفسهم في ذلك، من خارج الحدود الأميركية. ومن دون مساعدة الجغرافيا التي تفصلنا، فإن أنظمة التمثيل لا تجدي في ظل حالة الاستقطاب المعاصرة. ويدرك ممثلونا ذلك، بينما تصلهم عواصف من الاتصالات الهاتفية من أشخاص خارج حدود دوائرهم، وهو ما يعزز لديهم الشعور بضرورة الالتزام بخط أيديولوجي قوي. وإذا كنا نأمل في استعادة السلام الاجتماعي بين الأميركيين، فعلينا العودة إلى السؤال الأساسي الذي طرحه «ماديسون»، وهو كيف يمكننا بناء مؤسسات تبدد تهديد التحزّب؟ والحقيقة أن علينا إعادة التفكير في نظام التمثيل الديمقراطي لدينا، وربما تبني تدابير مثل انتخاب أكثر من عضو عن كل منطقة، ولم يعد يمكننا الاعتماد على الجغرافيا في تشتيت الآراء المتطرفة! دانييل ألين مُنظّرة سياسية في جامعة «هارفارد» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»