أميركا بحاجة للتعاويذ والصلوات الدائمة بعد أن أصبحت جثث ضحايا القتل الجماعي تُزال من مواقع الجرائم بشكل متواصل. ولقد ترددت مثل هذه الصلوات في أعقاب المذابح المتكررة التي شهدتها الولايات المتحدة، ومنها: مذبحة مدرسة «ساندي هوك» الابتدائية في كونيكتيكت، وحادثة الهجوم على الكنيسة المعمدانية الأولى في «سوثرلاند سبرينجز»، وواقعة الهجوم على النادي الليلي في أورلاندو بولاية فلوريدا، وجريمة القتل الجماعي خلال الاحتفال بعيد الحصاد في ضواحي مدينة لاس فيجاس. لقد أصبحت استعادة ذكريات هذه الأحداث المتكررة والأليمة، تدفعنا إلى التفكير والقلق والتسبيح والصلاة، خاصة بسبب التغافل عن إيجاد الحلول والأساليب الفعالة للتصدي لها مثلما رأينا في حوادث إطلاق النار على طلاب «معهد فرجينيا للتقنيات المتعددة» يوم 16 أبريل 2017، وفي المركز الإقليمي لمساعدة السكان بمدينة سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا يوم 2 ديسمبر 2015. ثم سمعنا سلسلة «الأذكار والصلوات» تتكرر أيضاً في أعقاب وقوع مجازر مشابهة في كولورادو، وفي كنيسة مدينة شارلستون بولاية ساوث كارولاينا. وها نحن نسمع الآن بأن الأميركيين رددوا الأذكار من جديد عقب إطلاق النار على طلاب مدرسة ثانوية في بلدة باركلاند بولاية فلوريدا يوم 14 فبراير الجاري (2018). فهل يمكننا أن نستجمع في أذهاننا حالة الرعب التي تعرض لها الضحايا وعائلاتهم؟. وعندما نفكر بآلام فقد الأقارب من دون سبب، فإننا نتساءل: كيف يمكن لهذه المذابح أن تحدث هنا؟. ومن أجل ماذا نصلّي؟. أمن أجل الموتى وعائلاتهم المنكوبة؟ أم للدعاء إلى الله بأن يبعد عنا هذا الجنون؟ أم إجلالاً لأرواح الضحايا؟ وهذا أبسط ما يمكننا أن نفعله. ولا شك أن الدعاء والصلاة هي ممارسات يرتاح لها معظم الناس، وكأن الابتهال إلى الله أصبح يمثل البديل الوحيد للقيام بعمل جاد للتصدي للمشكلة. فهل تكفي هذه الابتهالات لاستعادة الطمأنينة؟. إن المشاعر العدائية وقبضات الأيادي والسكاكين لا يمكنها أن ترتكب جرائم القتل الجماعي وحدها، بل إنها تحدث باستخدام شخص ما لبندقية والضغط على الزناد. وكلنا نعرف هذا حق المعرفة. ونعلم أيضاً أن الأشخاص المصابين بأمراض عقلية يجيدون مهارات استخدام الأسلحة أكثر من أي شيء آخر. ونعلم أيضاً أن الأدعية والصلوات لا تكفي للنجاة من أفعالهم. ويكون علينا في مثل هذه الأوقات أن نشكر أولئك الشجعان الذي كانوا سباقين لمعالجة الموقف في باركلاند، والذين قاموا باعتقال المجرم الذي أطلق النار، وانتهى به الأمر إلى السجن، وأن نشكر أيضاً أولئك الذين نظموا الحملات والصلوات الاحتجاجية ضد ما يحدث، والذين قاموا بتنظيم الجنازات والمساعدة على دفن الضحايا. ويبدو أن الأمة توقفت عند هذا الحدّ، وأصبح تجاهل البحث عن حل لمشكلة القتل الجماعي والتصدي للمجرمين شائعاً في المدن الأميركية كلها. وتكمن المشكلة الأساسية في أن البنادق والمسدسات لا تزال شائعة الاستخدام، وأن الذين يفكرون باستخدامها ما زالوا أحراراً طلقاء. ويكون من الطبيعي بعد ذلك أن نشهد المجازر الدموية، وهي تحدث قريباً منا وتزداد خطورة عاماً بعد عام. وبعد كل مذبحة، نسمع من مؤيدي امتلاك البنادق في الكونجرس بأن الوقت الحالي ليس مناسباً «للتحفّظ» على تلك الأسلحة، بل يتطلب الأمر جمع المزيد من الحقائق والمعطيات حول الموضوع. فياله من موقف مؤسف. وبعد مذبحة لاس فيجاس، سمعنا عن أن موقفاً سيتخذ لتخفيض معدل انتشار البنادق. ولكننا لم نرَ ثمة إجراء في هذا السبيل. وأعلن الرئيس دونالد ترامب أن نيته السفر إلى «باركلاند» التي شهدت المذبحة الأخيرة، ووصف المجرم الذي أطلق النار على التلاميذ بأنه «مختل عقلياً» على الرغم من أنه أرسل إلى الكونجرس ميزانية تنطوي على تراجع كبير عن وعده لناخبيه بالاهتمام بالصحة العقلية. وقال «بول جيونفريدو» المدير التنفيذي لمنظمة الصحة العقلية في الولايات المتحدة: «على الرغم من أن الميزانية تتضمن بعض الأحكام الجديدة الجيدة، إلا أنها تنطوي على الأضرار بأكثر من الفوائد بالنسبة لملايين الناس الذين يعانون الأمراض العقلية الخطيرة في الولايات المتحدة». وطالما أن ترامب مسيطر على الكونجرس ويحظى بدعم «الرابطة الوطنية للأسلحة»، فإن انتشار طراز البندقية التي استخدمت في مذبحة باركلاند سيبقى على ما هو عليه. كولبرت كينج محلل سياسي أميركي حائز جائزة «بوليتزير» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»