تخيل لو أن الرئيس قد قال، بعد هجمات 11 سبتمبر، إن مركز التجارة العالمي والبنتاجون كانا من الممكن أن يتعرضا للهجوم من قبل الصين أو «الكثير من الأشخاص الآخرين». تخيل لو كان رفض المزاعم المتعلقة بمسؤولية تنظيم «القاعدة» عن الهجوم ووصفها بـ«الخدعة»، وقال إنه «حقاً» يصدق إنكار أسامة بن لادن! وتخيل لو أنه رأى الهجوم في المقام الأول باعتباره مناكفة سياسية وليس تهديداً للأمن القومي تجب مكافحته! وتخيل لو أنه هدد بفصل المحققين الذين يحاولون اكتشاف ما حدث! والأكثر من ذلك، تخيل لو أن الرئيس قد رفض تعيين لجنة لدراسة كيفية حماية أميركا! وتخيل لو أنه، نتيجة لذلك، لم ننشئ إدارة لأمن النقل ووزارة للأمن الوطني، ولم نقم بالحد من الحواجز بين قوات إنفاذ القانون والاستخبارات، ولم نمرر قانون «باتريوت آكت» وقانون مكافحة الإرهاب لتعزيز المراقبة، ولم نكن قد اتخذنا خطوات أخرى كثيرة لمنع حدوث هجوم آخر كالذي وقع في 11 سبتمبر! هذا تقريباً حالنا بعد وقوع ثاني أسوأ هجوم خارجي على أميركا في العقدين الماضيين. وللتأكيد، فإن التخريب الروسي في انتخابات 2016 لم يتسبب في مقتل ما يقرب من 3000 شخص، لكن تأثيره على المدى الطويل قد يكون أكثر تدميراً من خلال تقويض الثقة في ديمقراطيتنا. وقد أصبح الدليل على التدخل الروسي «لا يقبل الجدل»، وفقاً لمستشار الأمن القومي «إتش أر ماكماستر»، بعد أن وجه المحقق الخاص روبرت مولر الاتهام يوم الجمعة لـ13 مواطناً روسياً وثلاث مؤسسات روسية، بسبب ضلوعهم في هذه العملية. ووفقاً لما جاء في لائحة الاتهام، فإن «العمليات التي قام بها المتهمون تضمنت دعم الحملة الرئاسية للمرشح في ذاك الوقت دونالد ترامب وتهميش هيلاري كلينتون». لكن، في عاصفة من التغريدات المثيرة للقلق في نهاية الأسبوع، هاجم الرئيس ترامب مكتب التحقيقات الفيدرالي والديمقراطيين وحتى ماكماستر وأي شخص آخر إلا الروس. وسعى إلى التهوين من تأثير تدخل الكرملين، وقال مغرداً: «إن نتائج الانتخابات لم تتأثر. ولم تفعل حملة ترامب أي شيء خطأ ولا يوجد تواطؤ!». وفي الواقع، هناك الكثير من الأدلة على حدوث تواطؤ، بما في ذلك اجتماعٌ عُقد في يونيو 2016 وضم نجل ترامب وصهره ومدير حملته مع ممثلين روس وعدوا بـ«تجريم» هيلاري كلينتون. وهناك أيضاً أدلة على أن الكرملين كان له تأثير على الانتخابات، التي حسمها أقل من 80 ألف ناخب في ثلاث ولايات لصالح ترامب، وربما كان الأخير يعتقد أن العملية الروسية مهمة، إذ أشار إلى ما فعلته روسيا -أي الإفراج عن وثائق «الحزب الديمقراطي» عبر «ويكيليكس»- 137 مرة في الشهر الأخير من الحملة. وفوق كل هذا، فقد وصلت الدعاية الروسية إلى 126 مليون أميركي على الأقل عبر الفيسبوك وحده. ولم ينته الهجوم في عام 2016. فقد استمر المتصيدون الروس في الترويج لهاشتاجات مثل #ReleaseTheMemo لزرع الشقاق والانقسام، وقد أفاد مدير الاستخبارات الوطنية «دانييل كوتس» مؤخراً بأن «انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة لعام 2018 ستكون هدفاً محتملاً لعمليات النفوذ الروسي». ورغم ذلك فلم يعقد ترامب اجتماعاً لمجلس الوزراء لمناقشة هذا التهديد وقاوم تنفيذ العقوبات التي أقرها الكونجرس ضد روسيا. وعرقلة الرئيس تلك تجعل من المستحيل تعيين لجنة 11/8 لدراسة هذا الاعتداء السيبراني ووضع توصيات لمواجهته مستقبلاً. وتحاول الوكالات الاستخباراتية الأميركية المختلفة، مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي، مكافحة الروس بطريقتها، لكن لا توجد استجابة منسقة بين هذه الوكالات مجتمعة. وقد تم ترك قدر كبير من العمل لمنصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك ويوتيوب وإنستجرام وتويتر وجوجل، المضطرة (دون قناعة أو رغبة) لكشف مدى الاختراق الروسي، إذ لا تريد فقدان المستخدمين وإيرادات الإعلانات، وقد تم التأكيد على لامبالاتها يوم الجمعة من خلال تغريدة لنائب رئيس موقع «فيسبوك»، «روب جولدمان» الذي تحمس ترامب نفسه لينقل عنه قوله: «معظم تغطية تدخّل الروس تنطوي على محاولاتهم للتأثير على نتيجة انتخابات 2016. لقد رأيت كل الإعلانات الروسية، ويمكن القول بكل تأكيد بأن التأثير على الانتخابات لم يكن الهدف الأساسي»، وقد يكون هذا دقيقاً من الناحية الفنية، حيث إنه ينطبق على إعلانات الفيسبوك، لكنه مضلل بدرجة كبيرة، فهذه الإعلانات لم تكن سوى جزء صغير من عملية روسية واسعة باستخدام القراصنة والمتصيدين، التي كما أشار مولر، كانت تهدف إلى التأثير على الانتخابات الأميركية. وكما أوضحت هجمات 11 سبتمبر أن الأمن الخاص لا يمكنه حماية نظام الطيران، أوضح الهجوم الروسي عام 2016 أن شركات التواصل الاجتماعي لا يمكنها حماية النظام الانتخابي. ماكس بوت باحث في «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»