قبل أيام قليلة من انعقاد الاجتماع الوزاري لوزراء الصحة في 12 دولة أوروبية، نشر المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، بيانات وإحصاءات تظهر أن معدلات الإصابة بالحصبة في دول القارة العجوز، قد تضاعف بمقدار أربعة أضعاف خلال عام واحد فقط، حيث بلغت معدلات الإصابة عام 2017 أكثر من 21 ألف حالة، مقارنة بعدد حالات عام 2016 تخطى الخمسة آلاف حالة بقليل. وتُرد هذه الزيادة الهائلة إلى عدة أسباب، منها انخفاض مستويات أو معدلات التغطية التطعيمية بوجه عام، وبوجه خاص بين الفئات الاجتماعية المهمشة كالغجر والمهاجرين غير الشرعيين، أو تدني كفاءة نظم مراقبة الأمراض في قطاع الرعاية الصحية، وفي حالات معينة تعطل وتوقف سلسلة إمدادات التطعيمات الطبية نتيجة الحروب والصراعات المسلحة. تنوع وتباين هذه الأسباب، يفسر التباين المماثل في المستوى الاقتصادي وفي الوضع الصحي بين الدول التي شهدت زيادة في معدلات الإصابة بفيروس الحصبة العام الماضي، بداية من أوكرانيا ونهاية بألمانيا، مروراً برومانيا وإيطاليا. وفي الوقت الذي تمتعت ثلاث دول بأعلى معدلات للحالات، وهي رومانيا (5562)، وإيطاليا (5006)، وأوكرانيا (4767)، أتى توزيع الحالات كالآتي: اليونان (967)، ألمانيا (927)، صربيا (702)، طاجيكستان (649)، فرنسا (520)، روسيا (408)، بلجيكا (369)، بريطانيا (282)، بلغاريا (167)، إسبانيا (152)، التشيك (146)، سويسرا (105). والحصبة هي مرض فيروسي معدٍ، ينتقل عن طريق الرذاذ التنفسي أو الإفرازات التنفسية للمرضى المصابين به. ولا يوجد حتى الآن علاج محدد للحصبة، ويعتمد علاج الحالات التي لا تصاحب بمضاعفات، على الراحة وتلقي السوائل ومخفضات الحرارة. وتبلغ درجة شدة عدوى هذا المرض أنه إذا أصيب به أحد أفراد العائلة، فسرعان ما سيُصاب به 90 في المئة من باقي العائلة، إذا لم يكن أفرادها متمتعين بمناعة من خلال تطعيم أو إصابة سابقة. أما على صعيد الوقاية، فيمكن تحقيقها من خلال التطعيم، الذي تبلغ تكلفته دولاراً واحداً فقط في الدول النامية، مما يجعل التطعيم ضد الحصبة من أفضل الاستثمارات في مجال الصحة العامة، بالنظر إلى أرواح الأطفال التي يمكن إنقاذها من خلاله، في ظل تكلفته الزهيدة. وفي الوقت الذي انخفضت فيه الوفيات الناتجة عن فيروس الحصبة بنسبة 84 في المئة خلال السنوات القليلة الماضية، وبالتحديد من 550 ألف وفاة عام 2000 إلى 90 ألف وفاة فقط عام 2016، لا يزال هذا المرض واسع الانتشار في الدول النامية، وخصوصاً في دول قارتي آسيا وأفريقيا، حيث يقدر أن الفيروس يتسبب في عدوى أكثر من 20 مليون شخص سنوياً، وتقع الغالبية العظمى من هذه الوفيات في الدول ذات مستوى الدخل الفردي المنخفض، أو التي تعاني من ضعف في البنية الصحية التحتية. ومن وقت لآخر، تتعالى الأصوات المحذرة من أن التقدم الذي أحرز نحو القضاء على فيروس الحصبة خلال الأعوام الماضية، قد توقف وأصابه الشلل، وربما حتى بدأت خطواته في التراجع والتقهقر، ويأتي هذا التحذير المتشائم في أعقاب نتائج الدراسات والإحصائيات التي تظهر ارتفاع عدد الوفيات الناتجة عن فيروس الحصبة. ومنذ عقد الستينيات أمكن تحقيق الوقاية ضد فيروس الحصبة من خلال تطعيم، فعال وآمن وزهيد الثمن، ولذا توصي منظمة الصحة العالمية بضرورة تطعيم جميع الأطفال، والبالغين حتى إذا لم يكن هناك مانع محدد، ضمن ما يعرف بالتطعيم الثلاثي والمحتوي على تطعيمات ضد فيروس الحصبة الألمانية وفيروس الغدة النكافية، وتوجد عدة أنواع من هذا التطعيم –ثنائي ورباعي- وإنْ كان المهم هو ضرورة إدراجه -بغض النظر عن نوعه- ضمن برامج التطعيم الوطنية. وكنتيجة للسهولة التي ينتقل بها الفيروس من شخص إلى آخر، تنص التوصيات الطبية على ضرورة تطعيم 95 في المئة على الأقل من أفراد المجتمع، لتحقيق ما يعرف بمناعة القطيع (Herd Immunity). وهي حالة من الحماية غير المباشرة من مرض معدٍ، تتحقق عندما تتوفر مناعة لجزء كبير من أفراد المجتمع، وهو ما يوفر بالتبعية مناعة للأفراد الذين لم يتلقوا تطعيماً سابقاً. ففي المجتمع الذي يتمتع فيه عدد كبير من الأفراد بالمناعة، تنكسر سلسلة انتقال الفيروس من شخص إلى آخر، عندما يصطدم الفيروس بأشخاص في هذه السلسلة لديهم مناعة، وهو ما يوفر بالتالي حماية غير مباشرة للأشخاص غير المتمتعين بمناعة.