شكّل حادث إطلاق النار الجماعي في باركلاند، فلوريدا، مأساةً فظيعة بالنسبة لمعظم الأميركيين، ولكن بالنسبة لحسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تروّج لمصالح روسيا في الولايات المتحدة، مثّل الحادث فرصة رائعة، ففي الصباح الذي تلى المأساة، كانت الحسابات المرتبطة بروسيا منهمكة في التعليق على الحادث بشراسة، دافعةً بنظرية «القاتل الوحيد المجنون» لتفسير حادث إطلاق النار، ومستهزئةً بدعاة تقييد حيازة السلاح، ووفق موقع «هاميلتون 68» المتخصص في الرصد الذي أنشأه صندوق مارشال الألماني، فإن العديد منها كان يحيل إلى صور أسلحة وذخيرة على حساب القاتل المفترض على إنستغرام، إضافة إلى لقطة من الشاشة لنتائج بحث في جوجل عن عبارة «الله أكبر». هذا في حين كان آخرون يحيلون إلى موقع متخصص في التحقق من صحة المعلومات يفنِّد بعض الإحصائيات حول الجرائم التي تستعمل فيها أسلحة نارية. وبحلول صباح الجمعة، كانت بعض الحسابات نفسها تدفع بشيء مختلف بعض الشيء: وسم «الراية المزيفة»، وهو إشارة إلى نظرية المؤامرة، انتشرت على نطاق واسع بعد 48 ساعة على الحادث، وتقول إن هذا الأخير لم يحدث أبداً، وإن الهجوم هو عملية «راية حمراء» دبّرتها الحكومة الأميركية كمقدمة لمصادرة الأسلحة. على أن هذا مجرد البداية فقط، فخلال الأيام القليلة المقبلة، سيخترع العديد من هذه الأنواع نفسها من الحسابات مجموعةً كاملة من نظريات المؤامرة بخصوص حادث إطلاق النار، وإذا كان التاريخ يعيد نفسه، فإن حسابات وسائل التواصل الاجتماعية التابعة لليمينيين المتطرفين والمتعصبين البيض الموالين لروسيا والمؤيدين لحيازة السلاح ستعمل على الترويج للوسوم نفسها والانخراط في نظريات المؤامرة نفسها، وإذا كانت لدى كل مجموعة مصالحها الخاصة التي تحرّكها في الدفع بوسم «الراية المزيفة»، فإن المصلحة الروسية واضحة في هذا الصدد، فهم يقومون بهذا الأمر لأنه يساعد على إضعاف الثقة في المؤسسات - الشرطة، مكتب التحقيقات الفدرالي، الإعلام – وكذلك في الحكومة نفسها، كما يقومون به لأنه يساعد على تضخيم الآراء المتطرفة التي ستعمّق الاستقطاب في الحياة السياسية الأميركية وتخلق انقسامات أكثر غضباً وأكثر تعصباً. وقد يذهب العملاء الذين ينشئون هذه الحسابات خلال الأيام القليلة المقبلة إلى حد اختلاق أحداث على الأرض، فنحن نعرف أنهم قد يقومون بهذا لأن ذلك هو ما قاموا به في الماضي، ويذكر هنا أن هيئة محلفين كبرى وجّهت إلى 13 مواطناً روسياً، يوم الجمعة، الاتهام بـ«خرق القوانين الجنائية الأميركية من أجل التدخل في الانتخابات الأميركية»، ومما جاء في لائحة الاتهامات أن المجموعة لم تقُم فقط بتنظيم رسائل مؤيدة لدونالد ترامب ولجيل شتاين، ومناوئة لهيلاري كلينتون على الإنترنت، ولكن أيضاً بتنظيم تجمعات انتخابية لترامب، وبتوظيف شخص يقلِّد كلينتون للظهور فيها، وسرقة أرقام الضمان الاجتماعي، وإنشاء حسابات «باي-بال» مزيفة. والواقع أنه مثلما تُظهر حملة وسم «الراية الحمراء» التي ظهرت في أعقاب حادث إطلاق النار في باركلاند، فلوريدا، فإن الجهود الروسية للتأثير على السياسة الأميركية، والمشاعر الأميركية، وحتى النقاش في أميركا حول تقييد حيازة السلاح، لم تتوقف مع انتخاب دونالد ترامب، بل ما زالت مستمرة، إذ منذ أحداث 2016 لم يتغير الكثير، ورغم الدعاية السيئة، فإن تويتر لم يقم بإزالة البرامج الحاسوبية التي تحاكي البشر من شبكته، كما أنه على الرغم من بعض القلق الاستعراضي الذي أبان عنه مديره التنفيذي، فإن «فيسبوك» لم يتخذ تدابير تضمن عدم استمرار أنظمته الدعائية المستهدَفة في نشر وإشاعة المعلومات المغلوطة أيضاً، وعلى الرغم مما بات اليوم دليلاً قوياً على التورط الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فلا أحد في الحكومة الأميركية أظهر التزاماً حقيقياً لمنع تدخل روسي في الانتخابات المقبلة. *محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»