كثير من الفرص يوفرها التقدم السريع في عالم «الأتمتة» والذكاء الاصطناعي في عالم اليوم. لم تعد الاستفادة من هذه الفرص مقصورة على الدول الكبرى والأكثر تقدماً، فقد أظهرت القمة العالمية للحكومات التي استضافتها دولة الإمارات العربية المتحدة، وعُقدت في دبي الأسبوع الماضي، أن فرص الثورة الصناعية الرابعة التي يُعد الذكاء الاصطناعي أحد أهم مقوماتها، متاحة لمن يدرك أهميتها ويعرف كيف يستثمرها. لكن الفرص التي يتيحها استخدام الذكاء الاصطناعي تقابلها مشاكل بدأت في الظهور، واهتم تقرير «منتدى دافوس» الاقتصادي العالمي، الذي أُعد قبيل مؤتمره الأخير في الشهر الماضي، بإحدى أبرز هذه المشاكل عندما نبه إلى أن «الروبوت» سيحل محل البشر في نحو خمسة ملايين وظيفة قبل نهاية عام 2020، أي خلال أقل من ثلاث سنوات، وحذر من ذلك أيضاً بعض المتحدثين في قمة دبي العالمية للحكومات. وتفيد متابعة التطور المذهل في عالم الذكاء الاصطناعي أن غزو «الروبوت» لأسواق العمل لم يعد مقصوراً على الوظائف الأقل مهارة التي كان ممكناً تكليفه بها حتى وقت قريب، فإلى جانب التطور الكمي الكبير في أعداد «الروبوتات» التي أُنتجت واستُخدمت في العامين الأخيرين، يحدث تحول نوعي في قدرتها على أداء أعمال جديدة، على نحو يؤدي إلى توقع أنها ستستطيع أداء معظم الوظائف –التي يقوم بها البشر الآن– في وقت قريب. تجاوز استخدام «الروبوت» بداياته التي تركزت في أعمال الخدمة في منازل ومطاعم ومتاجر، وأصبح يؤدي وظائف في كثير من المجالات، وبطريقة أكثر فاعلية وأسرع من الإنسان الطبيعي في بعض الحالات، وآخرها حتى الآن الحراسة الأمنية، وتوصيل الطلبات، وهما مجالان يتطلبان برمجة من نوع جديد. كما بات بإمكانه القيام بأكثر من عمل أو حركة في الوقت نفسه، بما في ذلك أعمال في مجالات لم تكن متخيلة، مثل تقديم نشرات أخبار تلفزيونية، وقد حقق مختبر الذكاء الاصطناعي في جامعة أوساكا اليابانية بداية اختراق في هذا المجال، إذ يستعد الآن لتجربة «الروبوت» النسائي «إيريكا» كمذيع أخبار في التلفزيون في أبريل المقبل. غير أن مشكلة انتشار الذكاء الاصطناعي ليست محصورة في البطالة التي يمكن أن تنتج عن التوسع في استخدام «الروبوت»، فبالإمكان معالجة هذه المشكلة عبر مزيد من الاستثمار في التعليم التقني، وفي خلق فرص ومقومات التعلم المستمر مدى الحياة، والتوسع في برامج إعادة التدريس والتأهيل لكي يُتاح لمن يفقدون وظائفهم التحول إلى مجالات جديدة. المشكلة الأكبر تعود إلى أن التقدم في عالم الذكاء الاصطناعي لا يقف عند حد، بعد أن دخل مرحلة إنتاج «روبوتات» تُعلِّم نفسها بنفسها، مثلما يفعل الإنسان الطبيعي، حيث أنتجت شركة «جوجل» في العام الماضي نظام «ماستر» الذكي المميز، وقد خاض «ماستر» مباراة صعبة في الشطرنج ضد بطل الصين كي جي، وهزمه وسط استغراب من تابعوا الحدث، والأهم أن «ماستر» لم يكن يعرف شيئاً عن اللعبة حتى ساعات قليلة قبل هذه المباراة، حيث تعلمها وأتقنها خلال فترة قياسية. كما دخل استخدام «الروبوت» مرحلة جديدة ربما تجعله أكثر قرباً إلى الإنسان الطبيعي، فبعد أن أصبح قادراً على اكتساب بعض سمات هذا الإنسان، صمم علماء أميركيون طابعة تجسيمية توضع على هيكله وتمنحه إحساساً يشبه ما يشعر به البشر. وهذه نقلة هائلة وخطيرة تثير سؤالاً لم يكن متخيلاً بدوره قبل فترة وجيزة، وهو: هل يأتي يوم يكتسب فيه «الروبوت» قدراً من الطبيعة البشرية، وكيف يصبح مسؤولاً عن أفعاله في هذه الحالة، وهل يمكن محاسبته؟ وتزداد أهمية ذلك السؤال في ظل التطور المتسارع في عالم الذكاء الاصطناعي لسببين، أولهما الاتجاه إلى استخدامه في مجال الصناعات العسكرية، بدءاً بالطائرات المُسيَّرة، فيما لا توجد تشريعات تضبط هذا التطور، والثاني إمكانية استخدام «روبوتات» لخدمة مصالح خاصة قد تتعارض مع المصلحة العامة هنا أو هناك. ورغم أن مستقبل العلاقة بين البشر و«الروبوتات» قد يحمل في بعض جوانبه تهديداً لعالمنا في غياب الاهتمام بوضع ضوابط في مجال الذكاء الاصطناعي، ما زال التفكير في هذا الخطر محصوراً في أوساط بعض العلماء والأكاديميين، ولم يحظ باهتمام كافٍ في دوائر صنع القرار. ------------------ *مدير مركز الأهرام للدراسات والبحوث الاستراتيجية