أوضحت ورقة بحثية نُشرت في الإصدار الشتوي من «دورية الدراسات الاستراتيجية» التي تعبر عن استراتيجية القوات الجوية الأميركية، الكيفية التي استغل بها الدعائيون مواقع التواصل الاجتماعي في حروبهم الرقمية ضد الولايات المتحدة. وأشارت الدراسة إلى أن القوات المعادية التي وظفت أدوات برمجة آلية استغلت نقاط الجهل والتحيز لدى الأميركيين غير الواعين كي ترسل أباطيل تشيع الفرقة والارتباك في المجتمع. والتوصل إلى طريقة للتصدي لهذا الهجوم في مجتمع حر مفتوح، من أكثر التحديات الأمنية القومية إلحاحاً. وإذا فشلنا، سيكون المستقبل بيد الدول السلطوية التي تحمي حدودها الافتراضية بتقييد إمكانية الدخول إلى الإنترنت. وفي الورقة البحثية، وعنوانها «التحكم في الرائج: مواقع التواصل الاجتماعي كحرب إعلامية»، يفحص اللفتنانت كولونيل جارد برير الاستراتيجيات والتكتيكات التي تستخدمها «داعش» وروسيا لفرض سيطرة على الموضوعات الرائجة على تويتر وفيسبوك. ورصد «برير» مثالاً حدث أثناء احتجاجات وقعت في نوفمبر 2015 بجامعة ميزوري. فقد تصاعد نزاع بشأن الأموال التي يحصل عليها مساعدو التدريس حتى وصل إلى مزاعم بالعنصرية في الحرم الجامعي. وتم رصد هاشتاج رائج يرتبط بحساب على تويتر يمتد إلى روسيا. ونشر هذا الحساب تغريدة بها صورة مستقاة من قصة أخرى لا علاقة لها بميزوري، لشاب أميركي أفريقي مصاب بكدمات. وجاء في التغريدة: «الشرطة تسير مع جماعة كوكلوكس كلان! لقد ضربوا شقيقي الأصغر! انظروا!» وهذه الرسالة التي جاءت بتوقيع «جيرمين»، أعيد نشرها مئات المرات، من خلال برامج المهام المغرضة الروسية. وبعد أن أضافت حسابات أخرى في فلك الحساب الروسي تفاصيل ملفقة، طالب حساب «جيرمين» وسائل الإعلام بتغطية القصة الزائفة لاعتداءات جماعة كوكلوكس كلان. وهرع الصحفيون المهوسون إلى البحث عن قصة. ورغم أن الحقائق ظهرت في نهاية المطاف فإن الضرر الدائم قد وقع. وتتبع برير حساب «جيرمين» الذي تحول إلى حساب باسم «فان فان» الذي نشر إشاعات عن لاجئين مسلمين اغتصبوا نساءً ألمانيات في ربيع عام 2016. وتحول الحساب مرة ثانية إلى «ديبولرابل لوسي» ليدعم حملة دونالد ترامب الرئاسية. وفي كل تجسد جديد للحساب، وظف من يقفون وراءه الأدواتِ نفسَها، وهي القصص المشوهة أو الملفقة وكتائب البرامج التطبيقية التي تعيد نشر التغريدات تلقائياً. وفي الأيام القليلة الماضية أخبر دانيال كوتس مدير الاستخبارات القومية الكونجرس أن مثل هذه الجهود يراد بها «مفاقمة الانقسامات الاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة لإشاعة الفرقة التي تقلص الاطمئنان والثقة في العمليات الديمقراطية». وفي الجانب الآخر، لا أرى سبباً وجيهاً لا يجعل الصحفيين يتوجهون رأساً إلى العمل على كبح «الاعتماد المفرط على مواقع التواصل الاجتماعي في الأنباء العاجلة» بحسب قول برير. ويجب على الصحفيين أن يتعاملوا مع كل تغريدة بحذر، وأن يسعوا إلى الحصول على تأكيد من العالم الواقعي لما يجري التغريد به. ونحن بحاجة إلى قيادة سياسية كفؤ تسمو بقضية الدفاع الرقمي فوق المنافع الحزبية. إننا في اختبار، والسلطات من موسكو إلى طهران ومن هافانا إلى بكين مستعدة لسلوك الطريق الآخر لتحمي حكمها بالتحكم في إمكانية الدخول إلى العالم الرقمي. والشيء نفسه سيحدث في الغرب ما لم نستطع التحكم في أنفسنا -------------- ديفيد فون دريهل* *كاتب أميركي ------------------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»