الفساد في العراق ليس حالة استثنائية، بل بات القاعدة فهو فساد عام يمارس بفعل كبار المسؤولين والساسة ونواب الشعب فهو فساد لا يشبه غيره من فسادات الأنظمة السياسية من حيث الكم والانتشار، فالمغانم تنتشر وتتوزع بين الطبقة السياسية المتنفذة، فمنظمة الشفافية الدولية تقول بأن الفساد في العراق ليس من جراء إساءة استعمال السلطة للحصول على مزايا شخصية، إنما من خلال توظيف السلطة لممارسة الفساد وتوظيف الفساد لبلوغ السلطة والفساد بات يشرعن ويقنن ويمارس علناً، ويُشار إليه تحت قبة البرلمان، وهو سلاح يستخدم في الحرب المحتدمة على الحكم، حيث صرح رئيس الوزراء حيدر العبادي بأن "المعركة ضد الفساد في العراق "أخطر من معركة الإرهاب"، الذي يعتبر أن محاربة الفساد أولوية لحكومته. مسلسل الفساد ليس بجديد على العراق، حيث تتراكم ملفات الفساد في أدراج الحكومات العراقية المتعاقبة منذ أول حكومة انتقالية إبان إسقاط الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003 إلى يومنا هذا، ويعد الفساد أحد أكبر التحديات التي تواجه الحكومة العراقية في سعيها لجمع الأموال واستقطاب المستثمرين، وأصبحت كلمة "الفساد" عنواناً سياسياً رائجاً بين السياسيين العراقيين ووسائل الإعلام العراقية، وفقدت السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية مصداقيتها أمام الشعب العراقي، بعد أن نخر الفساد أسس الحكم العراقي، وأضحت اتهامات الفساد ككرة الثلج تكبر وتجرف في طريقها أسس العملية السياسية المتداعية أصلاً في العراق. وتطرح تساؤلات جدية حول مستقبل العراق، من منطلق إدراك المجتمع الدولي لأهمية استقرار العراق وإعادة إعماره انطلق في الكويت الاثنين الماضي مؤتمر إعادة إعمار العراق الرامي لجمع أموال من المانحين الدوليين لدعم جهود عملية بناء المناطق المتضررة من الحرب ضد تنظيم "داعش" فوضع استراتيجية متماسكة لإعادة تنشيط الاقتصاد العراقي يتطلب تظافر الجهود الدولية والمحلية، حيث شهدت أعمال المؤتمر حضور عشرات الدول ومئات المنظمات والشركات ورجال الأعمال، حيث يراهن العراق على الدول المانحة وخصوصاً القطاع الخاص للحصول على تعهدات مالية ضخمة. وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد توقع في يناير الماضي أن يكلف مشروع إعادة إعمار البلاد 100 مليار دولار، وبلغ حجم التعهدات ب30 مليار دولار قدمتها 76 دولة ومنظمة إقليمية ودولية، و511 صندوقاً ومؤسسة مالية و107 منظمات غير حكومية و1850 ممثلاً عن القطاع الخاص. وتعهدت منظمات دولية غير حكومية بتقديم مساعدات إنسانية بقيمة 330 مليون دولار. والجدير بالذكر أن دولة الإمارات قد أعلنت على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية، الدكتور أنور قرقاش، عن تقديم ستة مليارات دولار لإعادة إعمار العراق يتضمن "دعماً بقيمة 500 مليون دولار للإسهام في الجهد الدولي لإعادة إعمار العراق، إضافة إلى استثمارات القطاع الخاص في مشروع "معسكر الرشيد" وميناء"أم قصر" بـ5.5 مليار دولار. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في المؤتمر الدولي قد حث المجتمع الدولي على دعم جهود العراق في إعادة الإعمار بعد الحرب ضد "داعش"، كما دعا بغداد إلى إدخال إصلاحات على نظامها المالي وعلى القطاع الأمني، وإلى معالجة الأسباب التي دفعت عراقيين إلى "التطرف"، وبينها أنظمة مكافحة الإرهاب المعتمدة في العراق، مطالباً أيضاً بالعمل على تحقيق المصالحة. إعادة إعمار العراق تتطلب أن تضع الحكومة العراقية حداً للفساد المستشري في جسد وأروقة الدولة وفي مؤسساتها، وأن تحقق نتائج حاسمة في مواجهته والخطوة الأهم اليوم هي توافر الإرادة السياسية لمعالجة هذه المشكلة على نحو جدي، فمشروع محاربة الفساد في العراق أصبح ضرورة ملحة ومهمة ليست بالسهلة إطلاقاً، ولكنها ليست مستحيلة، فالفساد في العراق سبب ونتيجة.