يتحدث ترامب بكل وضوح عن الخطر الذي تشكله إيران على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط. لكن ما يستثير السخرية أن ترامب لم يؤسس حتى الآن لسياسات عملية تتفق مع ما يقوله. وصحيح أنه وجّه صفعة للمخططات الإرهابية الإيرانية من خلال فرض العقوبات المالية على الكيانات التي تسعى لتنفيذ تلك المخططات أو تساهم فيها، لكن أوباما سبق له أن فعل ذلك قبله. ويُضاف إلى ذلك أن أوباما، الذي كثيراً ما عبّر عن انتقاده لإسرائيل بسبب سياسة الاستيطان وللسعودية بسبب عدم اقتناعها بضرورة «مشاركة» الإيرانيين في رسم مستقبل المنطقة، ولكنّه كان أيضاً أكثر استعداداً لتحقيق الضرورات الأمنية الأساسية للدولتين. ومن قراره بتمويل تزويد إسرائيل بنظام القبّة الحديدية وحتى بيع السعوديين أسلحة بمليارات الدولارات، فلقد قدم مساعدة للدولتين لتعزيز قدراتهما الدفاعية خلال فترتي حكمه. كما أن المساعدات الاستخباراتية والعمليات المشتركة التي ساهمت فيها الولايات المتحدة ضد نشاطات الإرهابيين كانت مهمة جداً في مواجهة المخاطر الحقيقية، التي كانت تهدد السعوديين وخاصة من طرف الإيرانيين. وحتى وقتنا الراهن، لا يزال الدعم الذي يقدّمه ترامب رمزياً. وبالرغم من أن «الرمزيّة» تنطوي بشكل واضح على معانٍ محددة، فإنها تحتاج للدعم المادي وخاصة العسكري حتى لا تفقد تأثيرها وقوتها. وبعد كل الضجيج الهائل الذي رافق الإعلان عن صفقات الأسلحة للسعودية، إلا أنها لم تتحقق حتى الآن، وربما لا تكتمل خلال وقت قريب. ولقد قال ترامب إن إدارته تسعى لمواجهة أو احتواء ممارسات إيران وخاصة في المناطق التي يرى السعوديون أن الإيرانيين يحاولون الاستيلاء عليها لمحاصرتهم وفرض إرادتهم السياسية على الأنظمة العربية القائمة في المنطقة، فأين هي الوعود التي قطعتها الولايات المتحدة مما يحدث الآن؟ بالتأكيد ليس في سوريا وحيث أصبحت السيطرة الإيرانية واضحة للعيان. ولا في اليمن، وحيث يتحدث المسؤولون السعوديون بقلق بالغ عن الصواريخ الإيرانية التي يطلقها الحوثيون باتجاه المدن السعودية. وفي الوقت الذي لا تتوقف فيه إيران عن شحن الأسلحة للحوثيين، فإن واشنطن لم تعترض تلك شحنات ولو مرة واحدة، على الرغم من أن قراري مجلس الأمن 2216 و2231 يحظران عملية الشحن هذه بشكل صريح. وبالنسبة لإسرائيل، فإن انتشار الجيش الإيراني والمليشيات الشيعية المؤيدة له في المنطقة لا يمكن اعتباره خطراً مؤقتاً أو عارضاً. وكثيراً ما تحدثت إدارة ترامب عن الحاجة الماسة لإبعاد «حزب الله» وبقية الميليشيات الشيعية عن حدود إسرائيل، ولكنني عندما قمت بزيارة لهضبة الجولان أشار لي ضابط إسرائيلي إلى موقع مشترك للمراقبة تابع لـ«فيلق القدس» الإيراني و«حزب الله» على بعد 6 كيلومترات داخل الحدود السورية. ويتحدث مسؤولون أمنيون إسرائيليون عن مواجهة محتملة على الجبهة الشمالية تشمل لبنان وسوريا. وكل أولئك الذين تحدثت إليهم في إسرائيل يرون أن الولايات المتحدة تنازلت لروسيا عن سوريا وتركت إسرائيل تعاني وحدها من الوجود الإيراني هناك. وكانوا جميعاً على يقين من أن الولايات المتحدة لو كانت عازمة بالفعل على الحدّ من النفوذ الإيراني في سوريا، لغيّر الروس من ممارساتهم فيها. وبالرغم مما ورد في تصريح لوزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون حول سوريا الشهر الماضي من اهتمام بمواجهة إيران، فإن المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين الذين تحدثت إليهم لا يرون أي مؤشر يؤكد بأن الإدارة الأميركية سوف تفي بوعودها. ولعل مما يثير المزيد من الاستغراب هو التحذير الذي صدر عن إسرائيل من أنها ستعمل بشكل منفرد إذا واصلت إيران بناء المصانع في سوريا ولبنان لإنتاج أنظمة توجيه أكثر دقّة لآلاف الصواريخ التي سبق أن أرسلتها بالفعل إلى الدولتين. رئيس الوزراء الإسرائيلي حاول إقناع بوتين باحتواء جهود إيران لتوسيع البنى العسكرية هناك. وهذا يعني أن نتنياهو عمل كل ما في وسعه لمحاولة درء الخطر، إلا أن بوتين لم يفعل شيئاً في هذا السبيل. عن دورية Foreign Policy دينيس روس مبعوث أميركي سابق إلى الشرق الأوسط ومستشار في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»