منذ أيام أوباما، إذا قال الأميركي شيئاً ضد «حزب الله»، يكون إكمال الجملة بالقول: ودعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية. ولا يرجع ذلك إلى دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، الحليف الاستراتيجي، بل لأنّ الولايات المتحدة وفرنسا كانتا وراء القرارين الدوليين 1559 و1701. القرار الأول في عام 2004 ضد الوجود العسكري السوري، وأي ميليشيات مسلحة على الأرض اللبنانية. والقرار الثاني يضع الجيش والقوى الأمنية على الحدود مع إسرائيل لحماية لبنان، ويمنع وجود أي قوات أُخرى جنوب نهر الليطاني. وبالطبع ما التزم لبنان بأيٍّ من القرارين، ولا تصرف بمقتضى القرار 1680 الذي يُنشئ المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري. فكانت الخطة الاعتذارية التي التزم بها الرئيس ميشال سليمان وحكومات «المستقبل» وغيره: عقد مؤتمرات الحوار الوطني لمناقشة موضوع الاستراتيجية الدفاعية (وضع سلاح الحزب بيد الجيش)، وحَذَرَ التدخل في سوريا صدر إعلان بعبدا عام 2011 للنأي بالنفس عن الأزمة السورية! منذ ذلك الحين جرت في النهر مياهٌ كثيرةٌ، وسيطر الحزب في كل مكان. فقبل أيام كان ما يزال يحفر لشبكته الهاتفية في إحدى القرى السنية على مرأى ومسمع من الجميع. بيد أنّ الجديد هو ما جرى منذ تولّي الرئيس عون سُدّة الرئاسة، حيث ما عادت محايدة، بل توالت تصريحات رئيس الجمهورية لدعم سلاح الحزب وإعطائه وظائف جديدة: ردْع إسرائيل ومكافحة الإرهاب. وبعدها يقول الرئيس إن الحزب لا يستعمل سلاحه في الداخل، وإنّ سلاحه باقٍ «لنهاية أزمة الشرق الأوسط»! وتبعه في ذلك رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كرر العبارة ذاتها. واضطر كثيرون لتنبيهه أنّ ذلك مُخالفٌ للقرارات الدولية، ويهدد أمن لبنان، فأكّد حرصه على القرارات الدولية من دون أن ندرك ماذا يعني ذلك، ولا احتاج عون والحريري مَثَلاً إلى الحديث ولو مرةً واحدةً عن الاستراتيجية الدفاعية. ومنذ أسابيع يتوالى ظهور رؤساء الميليشيات العراقية المتأيرنة على الحدود، من دون أن تحرك الحكومة ساكناً، بل إنّ الحريري تذمّر من أنّ تصريحات المعارضين تهدد الاستقرار! وفي 14 فبراير الجاري، الذكرى الثالثة عشرة لاغتيال والده، هاجم الحريري معارضيه بشراسة، وقال إنهم يخدمون «حزب الله»، وهو لن يتحالف مع الحزب في الانتخابات. وما انزعج أنصار الحزب وقالوا إنهم متفقون معه في بيروت، ومحافظة بعلبك- الهرمل من تحت الطاولة! ويوم الخميس الماضي جاء وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى بيروت، وقد استجدت للبنان مشكلتان مع إسرائيل بسبب تصرفات الحزب: بدأ الإسرائيليون يبنون جداراً فاصلاً يشبه ذلك الذي بنوه في الجولان، واعترضوا على الحدود البحرية الجنوبية معهم (بلوك رقم 9)، والذي يريد لبنان البحث عن النفط والغاز فيه، بينما تزعم إسرائيل أنّ لها حقاً فيه! ماذا كان موقف تيلرسون، واللبنانيون يريدون وساطته في الأمرين؟ قال إنّ الحزب تنظيم إرهابي، ولا فرق بين جناحيه العسكري والسياسي (وكان قد قال شيئاً مختلفاً في الأردن عن الموضوع!)، وأنه هو وإيران سبب التوتر في المنطقة، وهو الذي يجلب بتصرفاته مشكلات عدم الاستقرار على لبنان. وكالعادة رجع للالتزام الأميركي بدعم الجيش، والمساعدة للاجئين السوريين، والحرص على الاستقرار. وهذا يعني أنه لن يساعد في البلوك 9، ولا حديث عن حقوق لبنان الأُخرى ما دام لبنان يخالف القرارات الدولية، ويخضع لسطوة سلاح الحزب! وتعزّى رئيس الحكومة بأنّه تحدث إلى تيلرسون عن إمكانيات الدعم الأميركي للبنان في المؤتمرات القادمة في بريطانيا وروما وباريس! كلام عون وباسيل والحريري في الأوساط القريبة: أنّ لبنان لا يستطيع مجاراة الأميركان، والظروف غير ملائمة، وعندنا انتخابات، وأميركا في كل الأحوال متحيزة لإسرائيل! وقد تأخر باسيل عن استقبال تيلرسون في المطار، وفي قصر بعبدا، فرأى الأميركيون في ذلك رسالةً إيرانية بأنهم هم الذين يملكون السياسة الخارجية اللبنانية وليس عون ولا باسيل ولا الحريري! لا أمل في هذا الحكم التابع، ولا في هذه الحكومة لا لجهة إبعاد لبنان عن أزمات المنطقة بدعمٍ دولي، ولا لجهة الخروج من الأزمة الاقتصادية على أيدي حكومة غارقة في الفساد! الإيرانيون يرتهنون لبنان ويحولونه إلى دولة فاشلة، كما فعلوا بالعراق وسوريا!