رغم أن إيران وسوريا تتقاسمان الخطأ الجسيم في تأسيس «حزب الله» اللبناني ودعمه المتواصل وجعله يصبح دولة في داخل الدولة اللبنانية، ورغم أن إيران هي التي لعبت دوراً قيادياً في كل ما حصل، فإن نظام الأسد الأب، ثم بعد ذلك نظام بشار له دور مؤثر لا يمكن الاستهانة به في وجود «حزب الله»، فإذا كان تدشين الحزب في لبنان هو تأكيد عملي لحملة إيران (الاثنا عشرية) الشعواء لتصدير نمط التجربة الخمينية إلى الخارج، فإن وجود «حزب الله»، من وجهة النظر السورية، أداة هبطت على النظام الأسدي من السماء لحفظ المصالح السورية في لبنان والدفع بها إلى الأمام، فعن طريق دعمه تمكنت سوريا من تأسيس تحالفها الصامت مع النظام الإيراني ضد مصالح جميع العرب الآخرين في لبنان والعديد من مناطق العالم العربي الأخرى، ومن كسب الوسيلة التي تتمكن من خلالها المناورة السياسية غير المباشرة ضد الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في المنطقة، ومن الاحتفاظ بحلفائها اللبنانيين إلى جانبها بما في ذلك الأحزاب والحركات الفاعلة في الحياة السياسية في لبنان، تجهزهم وتقويهم وتجعلهم حاضرين عند الحاجة إليهم. في السنوات التي سبقت عام 2011، وقبل أن يبدأ النظام السوري في مواجهة مشاكله الداخلية التي كادت أن تطيح به قبل التدخلين الإيراني والروسي المباشرين، كان دعم سوريا وتحالفها مع «حزب الله» في لبنان شأن مزدوج، إن لم يكن فيه شيء من التناقض، فخلال ثمانينيات القرن العشرين كانت علاقات سوريا بإيران تشهد مصاعب جمة بحيث إن نظام حافظ الأسد صار قلقاً من نشاطات «حزب الله» اللبناني وعلاقته الوطيدة جداً بطهران، وذلك لعشر سنوات متتالية تقريباً. وضمن تلك الظروف أبقى نظام الأسد علاقته بالحزب قائمة ومستمرة، لكنه في الوقت نفسه قوَّى من ارتباطاته بالأطراف الأخرى المناوئة، خاصة حركة «أمل» الشيعية و«الكتائب» المارونية، وفئات صغيرة أخرى متعددة في سبيل خلق توازن في العلاقات بين «حزب الله» وتلك الأطراف، وفي سياق ذلك قامت أطراف خارجية عدة كالولايات المتحدة وبعض دول أوروبا الغربية ودول الخليج العربي بدعم نظام الأسد في ذلك الاتجاه، وتلك التكتيكات، وذلك عندما اتضح بأن فائدة بعض الأطراف السياسية اللبنانية، وهي منفردة عديمة القيمة والجدوى. التكتيكات السورية تلك كشفت عن أن سوريا لم تكن لديها في تلك المرحلة مصالح حقيقية في رؤية أي طرف سياسي لبناني، بما في ذلك «حزب الله» وحركة «أمل» الشيعية، يقوى في مواجهة الأطراف الأخرى أو ينتصر عليها، سواء سياسياً أو ميدانياً في الحرب الأهلية الدائرة، وهنا يمكن القول بأن الاستراتيجية السورية في لبنان انتهجت المبادئ التي تقوم عليها السياسات الواقعية، الأمر الذي جعل الأوضاع تشهد عدم وجود حلفاء راسخين حقيقيين، ولا أعداء مناوئين واضحين في لبنان، أي أنها كانت تمسك بالعصا من منتصفها، وفي ما كان يبدو، وربما بتوضيح وشرح من إيران كانت قيادات «حزب الله» اللبنانية تدرك ذلك وتفهمه جيداً، فاحتفظت باستراتيجية تحالف مع روسيا تبقى قائمة، معتمدة في ذلك على المبدأ القائل إن تحالفات المصالح قابلة للاتساع والتمدد، وثبتت صحة هذا القول عندما بدأ نظام بشار الأسد يتعرض لمشاكله القائمة حالياً وخرج السوريون يهتفون بأن «الشعب يريد إسقاط النظام»، ومنذ ذلك الوقت، وبأوامر من إيران ودعم وتدبير منها بدأ مقاتلو «حزب الله» اللبناني يتسللون إلى سوريا للقتال إلى جانب قوات النظام، ورغم عدم وجود إحصاءات مؤكدة حول أعداد المقاتلين من «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني في سوريا، فإن تواجدهم المكثف ملموس، وتشير إليه وتؤكده العديد من المصادر العالمية، فهم ينتشرون على رقعة واسعة من الأراضي السورية، وهذا يدعو إلى القول بأن مقاتلي «حزب الله» والعديد من الفئات المؤيدة لنظام الأسد، تمكنت من التقدم في مناطق القتال منذ أكتوبر 2015، خاصة مع توفر الدعم لها من قبل قوات النظام الذي توفر له المقاتلات الروسية الغطاء الجوي اللازم، وفلول «الحرس الثوري» الإيراني و«سرايا القدس» التي تمولها إيران وتدعمها بكل ما تستطيع من أسلحة متطورة وأموال طائلة ومقاتلين مدربين، الأمر الذي يؤثر كثيراً على القوات الثورية السورية، ودون شك فإن النظام يجني الآن حصاد تأييده لـ«حزب الله» وتحالفه الاستراتيجي معه منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين، فسيطرته الآن تمتد على المزيد من الأراضي السورية بدعم من الحزب وإيران وروسيا، وهو آخذٌ في الاستقواء المتزايد على جميع القوى الأخرى. *كاتب إماراتي