شرع رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» في جولة خارجية تشمل أربع دول في غرب آسيا الأسبوع الماضي لتجديد التواصل مع زعماء هذه المنطقة المهمة. والجولة تضمنت زيارة للأردن واجتماعات مع الملك عبد الله الثاني. وزار «مودي» أيضاً رام الله ليصبح أول رئيس وزراء هندي يزور فلسطين، ثم زار أبوظبي ليجتمع مع قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة لرابع مرة في ثلاث سنوات. وفي المحطة الأخيرة من زيارته ذهب إلى سلطنة عمان التي لها علاقات تجارية وثقافية قديمة مع الهند. وكان مودي قد زار في عام 2015 و2016 الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران وقطر ليصبح بذلك أول زعيم هندي يقوم بمثل هذه اللقاءات الموسعة مع زعماء غرب آسيا في وقت قصير للغاية. وتميزت كل زيارة لرئيس الوزراء الهندي في كل بلد من البلدان الأربعة بالدفء والتأكيد على التقدير الكبير للهند والهنود الذين يعيشون ويعملون في هذه البلدان. وفي أول محطة من الزيارة ذهب مودي إلى العاصمة الأردنية عمّان وعقد مناقشات موسعة مع العاهل الأردني الذي من المقرر أن يزور الهند في نهاية فبراير الجاري. وإلى جانب المناقشات بشأن وسائل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، أطلع الملك عبد الله رئيس الوزراء الهندي على جهود الأردن في سبيل التوصل إلى حل سلمي للقضية الفلسطينية وعلى دور المملكة في رعاية الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس. وكانت زيارة مودي إلى فلسطين تحدياً دبلوماسياً كبيراً، لأنها جاءت بعد زيارة نتنياهو للهند بعد أن بدا الود واضحاً بين زعيمي الحزبين اليمينيين الحاكمين في البلدين. ومن المعلوم أن الزعيمين الهندي والإسرائيلي بينهما تقارب كبير، وأن انتعاش العلاقات بين الهند وإسرائيل في عهد «مودي» أحدث تغيراً في دعم الهند للمبادئ الأساسية لدولة فلسطين المأمولة، فقد ظلت الحكومات الهندية المتعاقبة ترفض بحزم «المستوطنات الإسرائيلية وتدعم حق اللاجئين في العودة وقيام دولة مجاورة قادرة على البقاء مستقلة وموحدة لفلسطين عاصمتها القدس الشرقية». وكانت الهند تؤيد أيضاً مبادرة السلام العربية منذ تدشينها، لكن بعد وصول «مودي» إلى السلطة عام 2014 حدث تحول في هذا الدعم الذي لا يتزعزع. وأثناء زيارة مودي لإسرائيل قبل ستة شهور وهي أول زيارة لرئيس وزراء هندي للدولة العبرية وأثناء زيارة نتنياهو الهند الشهر الماضي، لم يرد ذكر موقف قائم على مبادئ للهند في البيانات المشتركة، بل جاء في البيانات المشتركة عبارة «تسوية شاملة عن طريق التفاوض تقوم على الاعتراف المتبادل والاتفاقات الأمنية الفاعلة»، ولأن هذه زيارات ثنائية يستطيع المرء أن يستوعب أن الاهتمام انصب على العلاقات الهندية الإسرائيلية الثنائية، لكن صحيح أن مودي ألزم نفسه «باعتراف مبكر بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة» أثناء زيارته لرام الله في أول زيارة من رئيس وزراء هندي، لم يشر الزعيم الهندي إلى «دولة موحدة وقادرة على البقاء» عاصمتها القدس، وهي الكلمات التي استخدمتها البيانات الهندية تقليدياً في هذا الموضوع على مدار سنوات. أما زيارة مودي إلى أبوظبي فقد كانت أهم مراحل جولته للتفاعل مع قيادات دولة الإمارات العربية المتحدة، فكلا البلدين يتطلع إلى توسيع نفوذه العالمي. والإمارات والهند تتعاونان عن كثب ليس فقط في مكافحة الإرهاب والتطرف، لكن أيضاً في تعزيز التعاون الأمني والدفاعي الذي يكتسب الكثير من العمق الاستراتيجي. ويشترك كلا البلدين في الاهتمام بشأن الأمن الإقليمي. وصدر بيان مشترك بعد زيارة «مودي» عن التزام البلدين «بتعزيز التعاون لدعم الأمن الإقليمي والسلام والرخاء». وتستكشف الإمارات أفق الاستثمار في مجال تصنيع العتاد الدفاعي في الهند، وبالتالي الدخول في شراكة استراتيجية أعمق في مجالات حيوية، وهذا قد يتضمن التعاون في تطوير نظام دفاع جوي وإنتاج ذخيرة للمدفعية. وكان من بين الاتفاقات الخمسة التي تم التوقيع عليها بين البلدين اتفاق بين ائتلاف شركات هندي وشركة أدنوك (شركة بترول أبوظبي الوطنية) يحصل بموجبها ائتلاف الشركات الهندي على حصة 10 في المئة من امتياز حقل زاكوم السفلي البحري في أبوظبي من عام 2018 إلى عام 2057. وهذا الاتفاق يمثل أول استثمار هندي في القطاع النفطي في الإمارات العربية المتحدة ويغير العلاقة من بائع ومشتر إلى علاقة استثمار طويلة الأمد. وتؤسس هذه الاتفاقية لبداية شراكة استراتيجية بعيدة المدى مع شركة النفط والغاز الطبيعي الهندية وشركات الائتلاف بما يرسي دعائم مرحلة جديدة من علاقات التعاون الاقتصادي بين دولة الإمارات والهند. وحققت زيارة مودي لسلطنة عُمان، حليف الهند في حملة مكافحة القرصنة، تقارباً بين البلدين وتم خلالها التوقيع على ثمانية اتفاقات من بينها اتفاق بشأن تعزيز التعاون في مجال الدفاع والصحة والسياحة. ويتضح مدى تنامي التعاون العسكري البحري بين البلدين في اتفاق بين وزارتي الدفاع في البلدين بشأن تقديم تسهيلات للسفن العسكرية الهندية في ميناء الدقم في السلطنة. وتستهدف اتصالات مودي القوية بزعماء دول غرب آسيا على مدار السنوات الثلاث الماضي ضمان تحقيق الاستقرار في المنطقة التي تمثل مصدر الطاقة الرئيس في كل آسيا. والزيارات المرتقبة للملك سلمان بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية والملك عبد الله الثاني عاهل الأردن لنيودلهي من المتوقع أن تعزز هذا التفاعل الاستراتيجي بين الهند والدول العربية. *رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي