هناك مستقبل مشرق ينتظر ملايين الشباب الصينيين الذين ولدوا بعد أحداث ميدان «تيانامين»، فدولتهم تتجه نحو مزيد من الثروة والنفوذ، ومعظمهم لن يواجه الجوع والبؤس مثل آبائهم وأجدادهم. غير أن أولئك الشباب في أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، تبدو عليهم علامات التعب، والسبب يكمن في كلمة واحدة هي: الضغوط! فكثير من أولئك الشباب الذين تزيد أعمارهم على 20 عاماً ممن تكتظ بهم الشقق في المدن الصينية العملاقة من المتوقع أن يكبروا ويتزوجوا ويحصلوا على وظائف جيدة، ويشتروا منازل وسيارات وينجبوا أطفالاً، لكن ليس كل الشباب الصينيين يمكنهم تحقيق «الحلم الصيني»، سواء اتبعوا الطريق المحدد أو تمرّدوا عليه. ويشير المؤلف الأميركي من شمال كاليفورنيا «زاك ديشتوالد»، إلى أن الهوة بين توقعات الشباب الصيني، حيث تراودهم أحلام بالعيش على الطريقة التي يريدونها، وواقعهم المالي، تبدو كبيرة وواسعة وعميقة بدرجة أكبر من أية فجوة أخرى مماثلة في العالم. ويرسم «ديشتوالد» في كتابه الجديد «الصين الشابة.. كيف سيغير الجيل القلِق دولتهم والعالم؟»، صورة كاشفة بشكل كبير لأكثر أجيال الصين شباباً. ويركّز كتاب «الصين الشابة» الآسر والمميز على الشباب في العقد الثالث من عمرهم الذين ولدوا في دولة مفعمة بالطموح والحيوية، لكنهم محاصرون بقوة في الطبقة المتوسطة العالمية، وهم أول الأجيال المعاصرة الأقل انشغالاً بالاحتياجات والأكثر اهتماماً بالرغبات، وخصوصاً البحث عن إجابة لسؤال مهم: من نرغب أن نكون؟ ويبدو الاندفاع نحو التغيير في الصين قوياً، فقبل ربع قرن مضى، لم يكن هناك سوى 30 مليون مبرّد في أمة تعداد سكانها 1.1 مليار نسمة، وكان متوسط الدخل السنوي للفرد 375 دولاراً، ثم جاءت الثورة الصناعية، والثورة التكنولوجية، ثم الثورة الرأسمالية. وكما يقول الزعيم الصيني الراحل «دينج شياوبنج»: «إن الفقر ليس مرادفاً للشيوعية، ومن العظيم أن يكون المرء غنياً». والمؤلف «ديشتوالد»، الذي يعمل في الوقت الراهن محللاً متخصصاً في الشؤون الصينية، لا يزال لم يكمل عامه الثلاثين، لكنه يتمتع بشغف عميق كمسافر عالمي مفتون بالتفاعل مع الناس أكثر من مشاهدة الأماكن. ولعل لديه صفات شخصية جذابة مكنته أثناء قضاء سنوات ما بعد دراسته الجامعية من السفر حول الصين، من أجل التواصل مع الناس حتى قبل أن يتعلم لغتهم أو يعرف أسلوب حياتهم. ولم يستغرق «ديشتوالد» وقتاً طويلاً ليتعلم الصينية، ويفهم المجتمع من خلال كلماته، رغم أنها من أصعب اللغات على ناطقي الإنجليزية. ويشير المؤلف إلى الضغوط التي يتعرض لها الشباب في الوقت الراهن، قائلاً: «إن من عادات المجتمع الصيني معرفة أدق التفاصيل عن حياة الشاب، من علاقاته إلى دخله مروراً بعاداته، وحتى ممارسات تنظيف الخضروات، لدرجة السؤال عن أعداد الأعمام والعمات». ويطلق مصطلح «عبيد الشقة» لتوضيح التضحيات الكثيرة من أجل امتلاك منزل، بدرجة أفضت إلى نتائج عكسية بين أولئك الذين يفضلون الاستمتاع بحياتهم بدلاً من التركيز على المستقبل، أما «وحوش الماجستير» فهو وصف أطلقه على الشباب المهووسين بتحصيل أعلى الدرجات العلمية، ممن كرّسوا حياتهم لاختبارات الماجستير بدلاً من تطوير الشيء الذي تفتقر إليه الصين بشدة ألا وهو: «ثقافة الإبداع والابتكار»، بحسب المؤلف. بيد أن الصين الجديدة لم تتخل عن القديمة، فلم يمض وقت طويل منذ أن كانت سياسة الطفل الواحد في الدولة تركز بقوة انتباه الأسر من الأجداد والآباء والأقارب الآخرين على ذلك الطفل الواحد. ويوضح «ديشتوالد» أن الأطفال يعتبرون «أباطرة صغار»، واشتهروا بالتدليل، وأما الآن، فأولئك «الأباطرة الصغار» أنجبوا «أباطرتهم»، ولا تزال لديهم المخاوف ذاتها بشأن إفساد أبنائهم! ومثلما أدرك «ديشتوالد»، أثناء تعليمه للغة الإنجليزية، أن يتعين على الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم الخامسة من العمر مواجهة الضغوط الأسرية، فأقاربه من الآباء والأجداد وحتى الأعمام القلقين، يراقبون تصرفاتهم عن كثب، ويقيمون كل شيء يفعله أطفالهم بحماسة شديدة، من المهارات الاجتماعية إلى الطريقة التي يحملون بها «الأصداف»، وجلّ ذلك يشكل مؤشرات على الضغوط المرتقبة في المستقبل. وبطرق شتى، ثمة أمور كثيرة مشتركة بين الشباب في المجتمعات الحضرية الصينية ونظرائهم الأميركيين، فجميعهم مشغولون بالهواتف الذكية، ومنافسات الغناء ومواقع لا حصر لها على شبكة الإنترنت، لكن ثمة اختلافات كبيرة أيضاً. فالشباب الصينيون مفتونون بالطعام أكثر من نظرائهم الأميركيين، وربما هم أكثر حذراً بشأن علاقاتهم أيضاً. غير أن الشباب الصيني لا يبدو مبالياً بالرقابة الحكومية ولا مولعاً بالقيم الغربية. وعندما تسمع امرأة صينية دونالد ترامب يعرب عن غضبه من وسائل الإعلام والسياسيين الفاسدين في الولايات المتحدة، تقول المرأة: «أتصور أن الحكومات كافة هكذا». ورغم ذلك، ليس ثمة جيل في تاريخ الصين كله أكثر انفتاحاً على العالم الخارجي، وربما أكثر اهتماماً بالقيم المجتمعية، أكثر من الجيل الحالي، فهو جيل شجاع وقلق إلى حد كبير. ومن الممكن أن يدفع الشباب الصيني بلادهم صوب نوع جديد من المرونة، بل وربما دولة جديدة، أو بالأحرى قوة عالمية مختلفة عما هو مألوف بالنسبة للكثيرين! وائل بدران الكتاب: الصين الشابة المؤلف: زاك ديشتوالد الناشر: سانت مارتين برس تاريخ النشر: 2018