في عام 1962، أعرب المؤرخ والمؤلف «دانيال جي بورستين» عن أسفه لاستبدال الأخبار الحقيقية ب «حدث زائف»، و«ابتكار مصطنع» صنعته «وسائل الإعلام العاملة على مدار الساعة»، وكذلك استبدال البطل –شخص مثل «جان دارك» أو ويليام شكسبير أو جورج واشنطن «الذي أظهر عظمة في بعض الإنجازات»- ب«شخصية شهيرة»، وصفها الكاتب «كشخص مشهور من أجل شهرته». وقد يكون «بورستين» تخيل أن الأحداث الزائفة والمشاهير سيستولون ليس فقط على ثقافتنا بل أيضا على سياستنا. بعد سنوات من الغرق في تغطية أخبار المشاهير، أمثال الأميرة ديانا ومادونا وبيونسيه وجاي-زد، ومسلسل «ربات البيوت الحقيقية» وكيت ميدلتون، وبطبيعة الحال عائلة كارداشيان، كان من الطبيعي أن يختار الناخبون نجم تليفزيون الواقع ليكون رئيسهم. إن عبادة المشاهير التي شوهت بالفعل سياستنا المحلية، تصيب الآن سياستنا الخارجية بالعدوى أيضا. إن «كيم يو جونج»، شقيقة المستبد «كيم جونج اون»، تعامل وكأنها واحدة من فريق «سبايس جيرلز». فقد جاء في أحد العناوين الرئيسية «شقيقة كيم جونج اون تسرق الأضواء من دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية». وقال مقال آخر: «إن كوريا الشمالية تظهر لتستولي على واحدة من أهم الميداليات في دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية: الذهب الدبلوماسي». وجاء في مقال آخر: «لقد اندهشوا من وجهها الذي يكاد يخلو من المساحيق وعدم تزينها بالجواهر. كما علقوا على ملابسها السوداء وحقيبتها البسيطة. ولاحظوا المشبك الزهرة الذي ترفع به شعرها إلى الخلف بأسلوب لا معنى له». وبعد أن وافق «بينس»، نائب الرئيس الأميركي، على القيام بدور ثانوي أمام شخصية مشهورة من الدرجة الثالثة في البيت الأبيض، وجد نفسه في الدورة الأولمبية وقد طغت عليه شخصية تجعل الرئيس ترامب يبدو وكأنه الأكثر رزانة. إن التغطية اللاهثة لزيارة «كيم يو جونج» –وهي الأولى التي يقوم بها عضو من عشيرة كيم الملكية للجنوب- ليست فقط تافهة، بل أيضا خطيرة ومثيرة للاشمئزاز. هذا هو المعادل المعاصر للاحتفال ب«بولا هتلر»، شقيقة أودلف هتلر، أو أطفال «جوزيف ستالين»، باستثناء أن «كيم يو جونج» هي أكثر منهم تواطؤاً في الاستبداد. وفي عام 2014، خلصت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن حقوق الإنسان في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، إلى أن تلك الدولة مذنبة فيما يتعلق بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية»، بما في ذلك «الإبادة، والقتل والاسترقاق والتعذيب والسجن والاغتصاب والإجهاض القسري وغيرها من جرائم العنف الجنسي والاضطهاد لأسباب سياسية ودينية وعنصرية، والترحيل القسري للسكان والاختفاء القسري للأشخاص والأفعال اللاإنسانية». وكما ذكر خبراء الأمم المتحدة «إن خطورة وحجم وطبيعة هذه الانتهاكات تظهِر دولةً لا مثيل لها في العالم المعاصر». كما يخوض التقرير في تفاصيل الانتهاكات التي تبعث على الغثيان. وكمثال على ذلك، انظروا إلى أفعال إدارة أمن الدولة هناك، أو الشرطة السرية هناك أيضاً: «في أغسطس 2011، اعتقلت الشرطة السرية في كوريا الشمالية فتى يبلغ من العمر 17 عاما، وكان ابن أحد الشهود في مدينة هوريونج، بمقاطعة نورث هامجيونج الشمالية، لأنه كان يشاهد أفلاما كورية جنوبية. وقد تعرض الفتى لتعذيب شديد أدت إلى تفتت عظام كاحله وإصابة وجهه بكدمات وتشوهات كبيرة. ولم تطلق الشرطة السرية سراحه إلا بعد أن دفعت الأسرة رشوة كبيرة. وبعد إطلاق سراحه بفترة قصيرة، توفي الفتى إثر إصابته بنزيف في المخ كان يعاني منه نتيجةَ تعرضه للضرب أثناء الاستجواب». وبعيدا عن جعل هذا النظام أكثر إنسانية، أضاف «كيم جونج اون» بعض اللمسات الفاسدة من تلقاء نفسه. فقد أمر بإعدام عمه وأخيه غير الشقيق، وفي حالة الأخير قام باستخدام سلاح دمار شامل (غاز الأعصاب القاتل «في إكس»)، وذلك في مطار دولي شديد الازدحام. وأفادت تقارير أنه فجّر وزير دفاعه بمدافع مضادة للطائرات، لأنه ظهر نائماً أثناء إلقاء الزعيم إحدى خطبه. ولا شيء من ذلك يعد سببا لهجوم ترامب الاستباقي على كوريا الشمالية، لأنها تقوم بتطوير صاروخ باليستي عابر للقارات مزود برأس نووية وقادر على ضرب الولايات المتحدة. إن الردع والاحتواء هما الطريق الصحيح للتعامل مع كوريا الشمالية، تماما كما تعاملنا لعقود مع تهديد أكبر بكثير مثل روسيا. ولكن هذا الشعور بالاشمئزاز من التهديد بالحرب من جانب ترامب لا يجب أن يقود أي شخص لأن يذهب إلى النقيض ويتخيل أن كوريا الشمالية هي شريك محتمل في صناعة السلام. إن السبب الوحيد الذي يجعل «كيم جونج اون» يتواصل مع كوريا الجنوبية، حيث عرض على رئيسها «مون جاي –ان» عقد قمة في بيونج يانج، هو إحداث وقيعة بين واشنطن وسيول. ماكس بوت محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»