في العقود القليلة الماضية، كشف باحثون أن الشعور بالوحدة إذا تُرك دون معالجة ليس مؤلماً نفسياً فحسب، بل له أيضاً عواقب طبية خطيرة، وربطت دراسات بين الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية وبين أمراض القلب والسرطان الاكتئاب ومرض السكري وحالات الانتحار، وكتب أحد الأطباء الأميركيين يقول إن ارتباط الوحدة والعزلة الاجتماعية بتقلص العمر الافتراضي يشبه ارتباط تقلص العمر الافتراضي بتدخين 15 سيجارة في اليوم، وأن الرابطة بين الشعور بالوحدة وتقلص العمر الافتراضي أقوى من تلك الرابطة بين تقلص العمر الافتراضي والبدانة، لكن هل يمثل الشعور بالوحدة، كما يحذر عدد كبير من المسؤولين والخبراء السياسيين، «وباءً صحياً» متنامياً؟ لا أعتقد هذا، بل أعتقد أن وصف الأمر على هذا النحو لن يفيد أحداً. صحيح أن الانفصال الاجتماعي خطير، لكننا إذا أثرنا حالة هلع من انتشاره وتأثيره، تقل احتمالات تعاملنا معه بشكل ملائم، ولا شك في أن القلق من الوحدة ملمح شائع في المجتمعات الحديثة، وحالياً هناك سببان محتملان كبيران للوحدة. أحدهما أن المجتمعات على امتداد العالم تبنت ثقافة الفردية، وأصبح عدد الأشخاص الذين يعيشون ويتقدمون في السن وحدهم أكبر من أي وقت مضى. والسبب الآخر المحتمل للشعور بالوحدة هو صعود تكنولوجيا الاتصالات التي تتضمن الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، فقبل عقد من الزمن، وعدت شركات مثل فيسبوك وآبل وجوجل بأن منتجاتها ستساعد في خلق علاقات وتجمعات ذات مغزى، لكننا استخدمنا مواقع التواصل الاجتماعي لتعميق الانقسامات القائمة على المستويين الفردي والجماعي، وربما يكون لدينا آلاف «الأصدقاء» و«المتابعين» على فيسبوك وإنستجرام لكن حين يتعلق الأمر بالعلاقات الإنسانية يتضح أن لا بديل عن إقامة علاقات بالطريقة التقليدية الشخصية. وفي ضوء هذين التوجهين فمن السهل أن نعتقد أننا نواجه «وباء» الشعور بالوحدة والعزلة، ومن المثير للدهشة أن أفضل البيانات المتاحة لا تظهر لنا في الواقع زيادة كبيرة سواء في الشعور بالوحدة أو بالعزلة الاجتماعية. ويتعين علينا التحلي بالحذر عند قياس الشعور بالوحدة ومعالجته لأن الشعور العابر والانتقالي بالوحدة، كما أشار جون كاتشوبو، أستاذ علم الاجتماع في جامعة شيكاجو، قد يكون صحياً وبناءً ويمثل مؤشراً بيولوجياً ينبهنا إلى حاجتنا إلى إقامة روابط اجتماعية أقوى. إيريك كلينينبيرج: باحث متخصص في علم الاجتماع الأميركي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»