من المعضلات التي طالما واجهت العلماء والباحثين في مجال الطب والعلوم البيولوجية الأساسية، هو اختيار موضوع البحث، أو نوع المرض الذي سيخضع للدراسة. ففي ظل حقيقة أن ميزانيات الأبحاث الطبية مهما عظمت تبقى محدودة، يصبح من الضروري توجيه ما هو متاح من مصادر مالية وبشرية للأولويات الصحية، لتعظيم الفائدة والمردود. هذه الخلفية كانت وراء إطلاق منظمة الصحة العالمية في ديسمبر 2015 لمشروع يمكن أن نطلق عليه «المخطط الأوّلي للأبحاث والتطوير» (Blueprint for R&D)، وهو عبارة عن رصد لقائمة من الأمراض المعدية التي قد تتسبب في أوبئة محلية وإقليمية (epidemic)، أو حتى في جائحة عالمية (pandemic) لا تُبقي ولا تذر، بمعنى أن هذه الأمراض، يجب أن تحتل مرتبة متقدمة جداً، على قائمة جهود العلماء والباحثين، بسبب ما تحمله في طياتها من القدرة على التسبب في أوبئة خطيرة جداً على الصحة العامة، ودون أن يتوفر حالياً تطعيمات قادرة على تحقيق الوقاية، أو علاج قادر على تحقيق الشفاء، أي أنها إذا تسببت في وباء عالمي، فسينتج عن ذلك كارثة صحية دولية بكل المقاييس، حيث سيقف الطب الحديث أمامها، بكل أسلحته وعلومه، عاجزاً مكتوف الأيدي. وبناء على هذه الخلفية، أطلقت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الجاري، تحديثاً لقائمة الأمراض تلك، شملت القائمة عشرة أمراض. بعضها أمراض تُدوِلَت أسماؤها حديثاً في وسائل الإعلام، مثل «إيبولا»، و«سارس»، و«زيكا»، والبعض الآخر أمراض نادراً ما يتم ذكرها حتى بين أفراد المجتمع الطبي، مثل حمى الوادي المتصدع، وحمى اللاسا، وحمى الكونغو النزيفية. والغريب أو المثير في هذه القائمة، هو احتواؤها على مرض أطلق عليه العلماء لقب «مرض إكس» (Disease X)، أي المرض المجهول. هذه التسمية هي في الحقيقة تعبير عن إدراك الأطباء والعلماء بأن جائحة عالمية، شديدة الخطورة وواسعة المدى، قد تنتج عن جرثومة، لا يعرف الطب الحديث حالياً عنها شيئاً، مثل فيروسات الإيدز وإيبولا اللذين كانا غير معروفيْن قبل عقود قليلة، وفيروسات «سارس» و«زيكا» حديثاً، ولذا يهدف «المخطط الأولي للأبحاث والتطوير» إلى تفعيل وتمكين الاستعداد البحثي والتطوير بوجه عام قدر الإمكان، عبر قطاع واسع وعريض من العلوم الأساسية والإكلينيكة، بشكل يمكن أن يساعد في المواجهة المحتملة بين الجنس البشري والوباء المحتمل لذلك المرض المجهول. ومن الصعب تخمين مصدر جرثومة المرض هذا، وإن كان هناك بعض السيناريوهات المحتملة. فعلى سبيل المثال: قد يؤدي غزو الغابات والمناطق النائية، التي لم تطأها قدم بشر من قبل، بغرض قطع الأشجار للحصول على أخشابها، أو حفر المناجم للحصول على المعادن الثمينة، إلى حدوث اتصال لأول مرة بين الإنسان وأنواع من الحيوانات والحشرات والميكروبات والفيروسات لم تكن معروفة من قبل. وهناك أيضاً سيناريو الأمراض المعدية المنبثقة أو المتصاعدة (Emerging Infectious Diseases)، الذي كثيراً ما ينطبق على الأمراض التي تنتقل عن طريق الحيوانات، ولكي يتمتع مرض معدٍ بصفة المنبثق أو المتصاعد، فلا بد أن تكون قد حدثت زيادة في معدلات انتشاره بشكل واضح خلال العقدين الماضيين، أو يعتقد أنه يحمل خطر الانتشار على نطاق أوسع خلال المستقبل القريب. ويتوقف هذا السيناريو على عدد من العوامل والظروف الخارجية، مثل تمكن الميكروب من إحداث تغير في تركيبته الوراثية، من خلال الانجراف الجيني، أو التحول الجيني، فيمكن ساعتها أن يزداد انتشاره بشكل كبير، وأن يتمتع بصفة المنبثق أو المتصاعد. السبب الآخر في تصاعد بعض الأمراض، هو التغيرات المناخية التي تشهدها الأرض حالياً، فالأمراض المعدية التي كانت تنتقل عن طريق الحشرات، أدت ظاهرة الدفء العالمي إلى اتساع النطاق المناسب لحياة وتكاثر الحشرات الناقلة لها، وهو ما أدى بالتبعية إلى اتساع نطاق تلك الأمراض أيضاً، وأحياناً ما يؤدي التطور التقني والاقتصادي للمجتمعات البشرية إلى المساعدة على تصاعد بعض الأمراض المعدية، ففي ظل توافر وسائل المواصلات السريعة والسهلة عبر القارات، أمكن لبعض الأمراض الانتقال إلى أركان العالم الأربعة في غضون وقت قصير، وهو مدى الانتشار الذي كان يستغرق في الماضي عقوداً وقروناً.