قبل بضعة أيام أفرجت وزارة الدفاع الأميركية عن تقريرها «مراجعة الموقف النووي» لعام 2018. تقرير يستدعي إصداره انتباهاً أكبر لأنه يعلن عن جولة جديدة في سباق التسلح النووي، ستقرّبنا أكثر من سيناريو حرب نووية ذات عواقب كارثية. التقرير يسعى بكل وضوح إلى تبديد المخاوف بخصوص أصبع الرئيس ترامب على الزناد النووي. كما يؤكد التقرير، الذي يتجاهل الحوادث العديدة والحالات التي كادت تتطور إلى حرب نووية خلال الحرب الباردة، أن لدى الولايات المتحدة «تدابير وقواعد» لضمان أن تكون الصواريخ الباليستية العابرة للقارات «آمنة ومؤمّنة وتحت سيطرة دائمة». وعلاوة على ذلك، يقول البنتاجون إن «أي قرار أميركي باستخدام أسلحة نووية سيخضع لعملية نقاش وتداول»، غير أنه على الرغم من هذه التطمينات، فإن خطط التقرير بشأن الترسانة النووية والاستراتيجية النووية ينبغي أن تثير القلق وتؤدي إلى عقد جلسات استماع في الكونجرس وفتح نقاش عمومي. تملك الولايات المتحدة حالياً مخزوناً يضم أكثر من 4 آلاف سلاح نووي، موزعة على مواقع الإطلاق البرية، والغواصات النووية، وقاذفات القنابل الاستراتيجية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية عابرة القارات المحملة برؤوس نووية، وصواريخ كروز التي تطلق من البحر والجو، وقنابل الجاذبية، ولما كان حجم المخزون أكثر من كافٍ لتدمير العالم عدة مرات، فإن «مصداقية» الترسانة ليست محل شك، ومع ذلك فإن التقرير يعيد التأكيد على التزام إدارة أوباما بجيل جديد من الصواريخ، والغواصات النووية، وقاذفات القنابل الاستراتيجية، والقنابل النووية. كما يحذر من «تدهور سريع لبيئة التهديد»، مما يستوجب عدم «تأجيل تحديث قواتنا النووية إذا كنا نريد الحفاظ على رادع نووي ذي مصداقية». غير أن إدارة ترامب تتجاوز جهود الرئيس باراك أوباما هذه عبر تعزيز «قوات (أميركا) النووية غير الاستراتيجية»، أي، القنابل النووية ذات القوة التفجيرية المحدودة، الشبيهة بتلك التي دمرت هيروشيما وناجازاكي. أما الغاية المعلنة فهي تصحيح تصور روسي خاطئ بأن قدرة أكبر في هذا المجال يمكن أن تمنحهم إمكانية شن حرب نووية محدودة بنجاح، وهكذا فإن جهود الحشد النووي سيمنح الرئيس – أجل، دونالد ترامب – أسلحة نووية قابلة للاستخدام أكثر في نزاع إقليمي. كما تسعى الوثيقة لتطميننا بأن استخدام أسلحة نووية ذات قوة تفجيرية محدودة وقابلة للاستخدام أكثر، في المنطق الجنوني لـ«التدمير المتبادل المؤكد»، سيرفع، بصورة ما، «السقف النووي»، ولن يخفضه. ولكن الواقع، مثلما يوضح «فيزيائيون من أجل المسؤولية الاجتماعية»، هو أن حتى تبادلاً إقليمياً «محدوداً» للأسلحة النووية يمكن أن يؤدي إلى مواجهة أكثر من مليار شخص للمجاعة بسبب تقلص مخزونات الطعام، كما يمكن لأسبوع من الحرب «الإقليمية» أن يقتل عدداً أكبر ممن قضوا أثناء الحرب العالمية الثانية. كما يجدد التقرير التأكيد على أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام الأسلحة النووية أولاً في طيف واسع من السيناريوهات، إذ ما زالت «سياسة الولايات المتحدة هي الحفاظ على بعض الغموض بخصوص الظروف المحددة» التي قد تؤدي إلى رد نووي، فالولايات المتحدة تحتفظ بحق إطلاق أسلحة نووية أولاً في «الظروف القصوى» من أجل الدفاع عن «المصالح الحيوية»، ليس للولايات المتحدة فحسب، ولكن لـ«حلفائها وشركائها» أيضاً– نحو 30 بلداً في المجموع. باختصار، إن الولايات المتحدة بصدد بناء جيل جديد من الأسلحة النووية وأنظمة التوصيل، وستستخدم أسلحة نووية قابلة للاستعمال أكثر في مناطق «متقدمة»، وتظل ملتزمة بإمكانية «استخدام أول» للأسلحة النووية حتى ضد هجمات غير نووية دفاعاً عن 30 بلداً، وتحتفظ بصواريخ على أهبة الاستعداد جاهزة للإطلاق، ومتشككة في إمكانية حصول أي تقدم في الحد من التسلح، وتعارض الحركة العالمية لجعل الأسلحة النووية غير قانونية. كل هذا في وقت يزداد فيه التوتر مع روسيا والصين، وتظل فيه العلاقات مع كوريا الشمالية متفجرة، ويظل فيه الاتفاق النووي مع إيران تحت هجوم دائم من الرئيس الأميركي. ولا غرو والحالة هذه أن عمدت «نشرة العلماء الذريين» مؤخراً إلى رفع درجة الحذر إلى أعلى مستوى لها منذ 1953، عندما فجّر الاتحاد السوفييتي أول قنبلة هيدروجينية له. وقال العلماء محذرين في بيانهم: «إن اللاعبين النوويين الكبار على عتبة سباق تسلح جديد، سباق سيكون باهظاً للغاية وسيزيد من احتمال الحوادث والتصورات الخاطئة. وعبر العالم، يبدو أن الأسلحة النووية ستصبح قابلة للاستخدام أكثر، وليس أقل، بسبب استثمارات الدول في ترساناتها النووية». ورغم وقوع عدد من الإنذارات الكاذبة والحالات التي كادت تُستخدم فيها الأسلحة النووية، فإن العالم استطاع تجنب حرب نووية منذ بداية الحرب الباردة، كما يشير تقرير «مراجعة الموقف النووي» إلى أن الأسلحة النووية تقلّص احتمالات العنف! والحال أن العالم إما سيجد طريقة للتخلص من الأسلحة النووية بشكل كلي أو ستُستخدم في نهاية المطاف، إما عن قصد أو عن طريق الخطأ، وهذا الواقع يستحق قدراً أكبر من الاهتمام في الإعلام والكونجرس، كما علينا أن نعيد إحياء الزخم لتقليص الأسلحة النووية، وليس لـ«تحديثها». ومثلما قالت «بياتريس فين»، التي استلمت جائزة نوبل نيابة عن «الحملة لدولية لإلغاء الأسلحة النووية» في 2017، في تعليقها على التقرير، «هناك نهايتان ممكنتان فقط لهذه القصة: إما نهاية الأسلحة النووية أو نهايتنا جميعاً». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»