احتضنت العاصمة الأميركية خلال الفترة من 5 إلى 7 فبرار الجاري مؤتمراً عالمياً لقادة الطوائف الدينية، بمبادرة متميزة من فضيلة العلامة الشيخ عبدالله بن بيه «رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة». يأتي هذا الاجتماع العالمي الروحي في زمن يموج فيه العالم بأزمات جيوسياسية واقتصادية واجتماعية ورهانات أدت إلى تدمير الإنسان والعمران، وتهدد الأخضر واليابس، فقد ظهرت بؤر الصراع والتطهير العرقي والديني والطائفي في بعض دول الجنوب. ولمواجهة هذه الآفات اقترح فضيلة العلامة الشيخ عبدالله بن بيه مرتكزات تؤسس لمبادرة «حلف الفضول الجديد» للتحالف بين الأديان والفلسفات معاً بأبعاده الإنسانية على كافة المستويات الأخلاقية والدينية. ومن أجل تلك الغاية السامية، انطلق ‹منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة› منذ قبل خمس سنوات، من واجهتين أساسيتين: الفكرية عبر تفكيك خطاب التطرف ووضع حلول لاقتلاع ظاهرة العنف من جذورها، والعملية (مبادراتية) تقوم على إطلاق المبادرات والتعاون مع دعاة السلام. وبعد (إعلان مراكش) عام 2016 الذي ترجم (وثيقة المدينة) كأول عقد اجتماعي عرفه تاريخ الإنسانية الذي أكد أن المواطنة هي المسلك الوحيد لتحقيق التعايش السلمي والوقوف ضد اضطهاد الأقليات الدينية لأنه مخالف للمبادئ الإسلامية، يبحث (إعلان واشنطن) عن سعادة الإنسان انطلاقاً من المشترك الإنساني، بل ومصيره، في الرغبة بالعيش السعيد من أجل التعاون، وبذل المجهود انطلاقاً من مقاصد الشرع الحنيف ومواثيق الأمم المتحدة، ولتحقيق الأهداف التالية: أولاً: لتأكيد ما تم حتى الآن من ذلك العمل الرائع، الذي تمثل في إرادة التعايش السعيد، وبناء جسور الصداقة والمحبة بين رجال العائلة الإبراهيمية ونسائها، الذين آمنوا بالقيم المشتركة، وآمنوا بأن إعلاء قيمة الإنسان أهم برهان على ما يتشاركون فيه من قيم الإيمان. ثانياً: إمكانية تحويل النتائج الإيجابية إلى عمل دائم يؤسس لنموذج ليس فقط بين أتباع الديانات المشاركين في المؤتمر، بل ليشمل جميع الطوائف الدينية والفلسفية الأخرى. ثالثاً: لإظهار الدين كقوة للسلام وعامل جذب بين المختلفين، وليس عامل حروب، فالعقيدة رسالة سلام ومحبة وإثبات أن ذلك ممكن فعلاً، فهذه الديناميكية تتغلب على الكراهية السائدة، فالمحبة والسلام والصداقة، هي رسالتنا إلى البشرية، وهي شعارنا. رابعاً: توسيع آفاق مبدأ التعارف والصداقة والتعايش السعيد؛ لتتحول إلى عمل إنساني ميداني؛ لمساعدة المرضى والمحتاجين؛ باعتبار ذلك من صميم الموروث الديني. وفي هذا السياق أعلن معالي الشيخ عبدالله بن بيه عن مبادرة «إطعام الطعام» للمحتاجين من كل الأعراق والأديان، يستضيفهم على مائدة العائلة الإبراهيمية. خامساً: تحالف «حلف الخير»، «حلف الفضول»، الذي زكّاه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. وهو حلف مفتوح لكل الديانات والأعراق. ولتحقيق هذه الأهداف يجب التأكيد على كون التنوع الديني والثقافي هما القيمة المُضافة لتحقيق الأمن والسلام الاجتماعي والعيش بالكرامة في مواجهة مختطفي الدين؛ بسبب اختزالهم للنصوص وإخراجها عن سياقها، كما يجب الاعتناء بالمناهج الدراسية بالتعددية الثقافية والدينية لتعزيز القيم الإنسانية للتعاون. د. محمد البشاري* *أمين عام المؤتمر الإسلامي- الأوروبي