بين تحولات المشهد الفرنسي.. وعودة الحليف الألماني لوفيغارو عنون الكاتب اليميني المعروف إيف تريّار مقاله بصحيفة لوفيغارو بعبارة: «ماكرون ليس بيده الخيار»، مبرزاً ما يعتبره ظهور مؤشرات على تراجع موقف الرئيس الفرنسي في الداخل، وبداية انفضاض بعض جمهوره الناخب عن خطه بعد الشعبية الواسعة التي تمتع بها في البلاد منذ انتخابه في قصر الإليزيه العام الماضي. وفي المقابل، تساءل الكاتب إن كان الربيع المقبل سيكون، باستحقاقاته الانتخابية، في صالح اليمين الفرنسي، وتحديداً حزب الجمهوريين؟ ففي ذلك الموسم ستكون هناك ستة انتخابات تشريعية جزئية، خمسة منها في دوائر لم يحقق الجمهوريون فيها الفوز في العام الماضي 2017. ولا شك في أن تحقيق الجمهوريين لعدة انتصارات بعد انقضاء موسم الشتاء الجاري، لن يخلو من دلالة رمزية على بداية تغير المزاج والبوصلة السياسية والشعبية الفرنسية. وهنالك الآن أكثر من إشارة في الأفق إلى بداية انطلاقة جديدة للمعسكر الجمهوري، لعل في مقدمتها النتائج الإيجابية التي حققها الجمهوريون في الانتخابات الجزئية في دائرتين انتخابيتين فرنسيتين مهمتين يوم الأحد الماضي. هذا مع أن نسبة الامتناع كانت أيضاً كبيرة، وهو ما يجعل استخلاص النتائج سلفاً أمراً صعباً، ولا يخلو من مجازفة. وأما القوى السياسية الأخرى، غير الجمهوريين وحزب ماكرون، فلا يبدو الآن أنها في حال يسمح لها بإخراج رؤوسها الغاطسة من الماء. ويبدو حجم المأزق كبيراً خاصة بالنسبة لحزب الجبهة الوطنية، الذي يسجل تراجعاً كبيراً، كما لم تستطع زعيمته، مارين لوبن، الخروج بعد من تبعات الهزيمة الساحقة التي لحقت بها في الانتخابات الرئاسية العام الماضي. وأما اليسار المتطرف، والتقليدي، فالموقف لديهما هما أيضاً على غير ما يرام، فجان لوك ميلانشون ومحازبوه ما زالوا ضحايا لاندفاعهم الجامح الدائم، في حين أن الاشتراكيين يبدو أنهم ما زالوا حتى الآن يسيرون في طريق الانحدار دون الوصول إلى قرار. والحاصل، في رأي الكاتب، أن الانتخابات التشريعية الجزئية التي جرت يوم الأحد الماضي في دائرتين تدل بشكل واضح على أن ماكرون يواجه الآن حالة عزوف قوية من قبل داعميه وأنصاره من جمهور اليسار، بشكل خاص، بل إن ثمة أيضاً تململاً قد يزيد الشعور به أو يقل حتى داخل أغلبيته هو نفسه، وثمة أسئلة عن اتجاه البوصلة يطرحها حتى بعض نواب حزبه. لوموند رحبت صحيفة لوموند في افتتاحية لها بالإعلان عن التوصل إلى اتفاق تشكيل ائتلاف حكومي في ألمانيا بين الحزب الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة مارتن شولتز، معتبرة أن هذا التطور يحمل أخباراً سارة إلى فرنسا، التي ظلت تنتظر منذ انتخابات 24 سبتمبر الماضي في ألمانيا، لكي تطمئن إلى تشكيل حكومة ذات مزاج وتوجه أوروبي، تلعب معها دور الرافعة التقليدية للمشروع الأوروبي، كما هو معتاد من محور باريس- برلين. ومنذ انتخاب ماكرون العام الماضي ظل نزوعه الأوروبي المتحمس معطلاً على أرض الواقع بحكم انشغال الشريك الألماني في أزمة ما بعد الانتخابات التي لم تكن نتائجها حاسمة، وهو ما استهلك الآن أربعة أشهر من المفاوضات الماراثونية بين القوى السياسية على الجانب الآخر من نهر الراين، قبل الإعلان أخيراً، يوم الأربعاء الماضي، عن التوصل إلى تشكيل ائتلاف بين حزبي ميركل وشولتز. ولئن كان التزام ميركل الأوروبي الراسخ معروف ومعلن، فلحسن الحظ لا يقل عنها أيضاً التزام شولتز، وهو الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي، وإن صحت الأخبار عن نيته حمل حقيبة وزارة الخارجية في برلين فسيمثل ذلك، دون شك، قوة دفع ورفع قوية لسياسات ماكرون الأوروبية الطموحة. ويتوقع مراقبون الآن أن تستفيد أوروبا أيضاً من ذهاب وزير المالية المحافظ فولفجانج شويبله المعروف عنه تشدده فيما يتعلق بالتمسك بسياسات التقشف، وهذا خبر سار آخر لأوروبا، وإن كان مقترح الدعم الذي اشتملت عليه وثائق الإعلان عن الائتلاف الجديد لا يلاحظ فيها تغير كبير حتى الآن عن السياسات المالية السابقة. ولكن في كل الأحوال، لا شك في أن عودة ائتلاف المسيحيين الديمقراطيين والاشتراكيين الديمقراطيين للحكم يمثل فرصة كبيرة لدعم سياسات ومواقف المحور الفرنسي- الألماني على مستوى الاتحاد الأوروبي، وأيضاً دعم دور وحضور أوروبا كذلك على المسرح الدولي. وليس خلواً من المعن في هذا الصدد أن وثيقة الإعلان عن الاتفاق على الائتلاف، الذي ينتظر موافقة قواعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي عليه، جاءت تحمل عنواناً دالاً: «بداية جديدة لأوروبا»، وهو ما يعني، استطراداً، أن شريكي الائتلاف يعيدان مجدداً التأكيد على أولوية المشروع الأوروبي، ولم يسبق وضع عنوان بهذه الروح الأوروبية المعلنة ضمن وثيقة الإعلان عن تشكيل ائتلاف أو حكومة ألمانية من قبل. وإن تمت موافقة قواعد الاشتراكيين، وتشكلت الحكومة الائتلافية، وكل هذا بات شبه مرجح، فستكون أمام ميركل فرصة الحكم لولاية رابعة، وبكل تأكيد، فلا شيء يمنع أن تمثل في الواقع انطلاقة وبداية جديدة للمشروع الأوروبي، كما يأمل الكثيرون في باريس وبرلين وبروكسل وفي بقية عواصم الاتحاد الأوروبي الأخرى، دون استثناء. ليبراسيون في افتتاحية بصحيفة ليبراسيون ناقشت الكاتبة ألكسندرا شواتزبرود التحدي الذي تمثله الأسلحة النووية بالنسبة لفرنسا والعالم، من حيث هي ضرورة للردع، ولكن في الوقت نفسه هي أيضاً خطر ماثل على الإنسانية جمعاء. وقالت الكاتبة، ابتداءً، إننا كلنا نتمنى العيش في عالم خالٍ من الأسلحة النووية، وحتى الأسلحة التقليدية إن أمكن. ولو وقع ذلك فستوجه المخصصات المالية الضخمة التي تنفق على التسلح والحروب والصراعات لتخصص للتنمية والخدمات من تعليم وصحة وثقافة، وسيكون حل النزاعات عملية سهلة، ويتم في جلسات لاحتساء مشروب «الموخيتو» -وهذا التعبير هو عنوان الافتتاحية- أو عصير الأناناس! ولكن هيهات أن يكون المشهد الدولي الراهن بهذا الشكل من المثالية، حيث إن الصراعات والنزاعات تجتاح معظم مناطق العالم، والخطر النووي قائم في بعض الحالات حيث ترفع نظم مارقة قفاز التحدي، كما لا يستبعد خطر حصول الجماعات الإرهابية في يوم من الأيام على أسلحة نووية! ولا يتوقع طبعاً في هذه الظروف الدولية الصعبة تخلي فرنسا عن قوتها النووية، مع أن هذه القوة تقتطع كثيراً من ميزانية الدفاع، في وقت تتواجد فيه القوات الفرنسية في الخارج بقوة. وتتساءل الكاتبة هل يكفي فرنسا للردع الإبقاء فقط على الجزء الخاص بالقوات البحرية والجوية من قوتها النووية؟ وخاصة أنها كانت قد بادرت منذ 22 سنة لتفكيك ما يتعلق بالقوة البرية، ولم يترتب على ذلك إضعاف للمنظومة الدفاعية. وعلى صعيد دولي، فالسلاح النووي من المعروف عنه عادة أنه موجه للردع فقط، وليس للاستخدام، ولكن ترددت مؤخراً حدة التهديدات باستحضاره كسلاح محتمل ضمن الصراعات، وهذا يعني، في حال وقوعه، نهاية مفهوم الردع، ونهاية الإنسانية أيضاً. إعداد: حسن ولد المختار