من خلال ممارساتها في الخليج العربي يبدو أن إيران تسعى إلى تأجيج الصراع فيه، وهي تقوم بذلك دون توقف منذ قيام الثورة عام 1979، ودون أن تجعل من أطماعها سراً تحتفظ به لنفسها، فهي تحاول أن تجعل من الخليج العربي منطلقاً لتحقيق أطماعها الاقتصادية والجيوستراتيجية وللنيل من مقدرات دوله وشعوبه وتجانس نسيجهم الاجتماعي والتدخل في شؤونهم الداخلية والخارجية. وبكل تأكيد أن ذلك يشكل خطراً وتهديداً للأمن والسلام ويعرقل تقدم الدول والشعوب العربية الخليجية التي ترغب في تحقيق علاقات الصداقة والوئام وحسن الجوار في ما بينها ومع جميع دول المنطقة والعالم بما في ذلك إيران ذاتها. لكن في ما يبدو أن إيران تقف عائقاً دون تحقيق ذلك وتسعى إلى نسف جميع المبادرات والمساعي الحميدة التي تقوم بها كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ودولة الكويت ومملكة البحرين بما يثبت أن أهداف إيران لا يقع ضمنها تحقيق السلام، بل هي تسير في اتجاه آخر. الأوضاع الإقليمية غير المستقرة التي يشهدها الخليج العربي بدأت في التبلور في أعقاب الثورة الإيرانية مباشرة، والشكل الذي هي عليه الآن من عدم الاستقرار والغليان يتضح في الاختلاف الجذري الموجود بين النظم السياسية والاجتماعية، ونمط السياسة الخارجية المتواجد في إيران والذي تنتهجه نخبتها الدينية - السياسية الحاكمة. في دول الخليج العربي توجد نظم قائمة على الارتباط بالقبيلة والعشيرة والأسرة والعائلة الممتدة المترابطة، وعلى نظام اقتصادي واجتماعي تسوده الحرية الفردية وحرية ممارسة التجارة في الداخل ومع الخارج وعادات وتقاليد قوامها التمسك بالإسلام الصحيح كما ورد في كتاب الله وسنة نبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى نمط من العلاقات الخارجية المميزة مع كافة دول وشعوب العالم وعلى مبادئ راسخة بنبذ الإرهاب والعنف والجريمة بكافة أشكالها وتجلياتها. ورغم ما تمارسه إيران من ابتزاز ورغبة في الهيمنة السياسية والسيطرة الاقتصادية والاستيلاء على أراضي الغير، فإن دول الخليج العربي المعنية طالما تعاملت مع ذلك بالصبر والحكمة والتروي تفادياً لتفجر الأوضاع بشكل سيئ ومكروه يعكر صفو الأمن والسلام. دول الخليج العربي المعنية تنتهج سياسة خارجية تتماشى مع مبادئها وأهدافها، التي تصب في خانة تحقيق السلام والأمن إيماناً منها بأن السلام عامل مهم في تحقيق الاستقرار الخليجي والعربي والعالمي، وفي تحقيق التنمية الشاملة المستدامة التي تتيح في نهاية المطاف تحقيق الرفاهية والطمأنينة للشعوب. وهذه السياسة الحكيمة تمخضت عنها حتى الآن نتائج إيجابية مهمة حققت من خلالها الدول والشعوب نهضة مباركة على كافة الصعد، التي لم يتح أو يتوافر للشعب الإيراني المظلوم والمغلوب على أمره حتى النزر اليسير منها، فكانت النتيجة هي ما يحدث الآن في إيران من مظاهرات واحتجاجات وقمع وقتل وإهانة واعتقالات للشعب الإيراني، وطمس للحقائق وتضليل للرأي العام العالمي بأن الأوضاع تحت سيطرة النظام الحاكم وستعود إلى هدوئها في القريب العالج، في حين أن الأنباء والمؤشرات الآتية من الداخل الإيراني تشير إلى عكس ذلك وتدحض هذه الافتراءات والأنباء المضللة جملة وتفصيلا. لقد مارست دول الخليج العربي المعنية سياسات خارجية بنّاءة قائمة على تحقيق السلام تم تطويرها خلال مسيرتها منذ نشوب أول حرب طاحنة بين العراق وإيران عام 1980. منذ ذلك الوقت عملت هذه الدول على ممارسة سياسات خارجية واسعة النطاق من خلال برامج واقعية قائمة على رسم أهداف واضحة ومحددة لتحقيق علاقات حسن جوار بعقدها اتفاقيات ومعاهدات ثنائية في ما بينها وبينها وبين دول جوارها الأخرى بما في ذلك إيران التي ما برحت تتعمد الإخلال بها وعرقلتها كلما وجدت إلى ذلك سبيلًا، ذلك الوضع استدعى من دول الخليج العربي البحث عن حلول لمشاكل الحدود العالقة، وإيجاد حل لمشكلة احتلال إيران لجزر دولة الإمارات الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، ومنذ استخدام العنف والوسائل العسكرية في حل المشاكل. وفي صلب ذلك تقع رغبة الدول المعنية جعل الخليج العربي منطقة خالية من الأسلحة النووية حاضراً ومستقبلاً، وهو هدف نبيل تعمل إيران ضده جملة وتفصيلاً. *كاتب إماراتي