لا يزال النزاع الحدودي الملتهب بين الصين والهند، والذي ينفجر من حين لآخر سبباً من ضمن أسباب التوتر المستمر في العلاقات بين البلدين، والذي أدى إلى انفجار الوضع بينهما العام الماضي، بعد أن تدخلت قوات الحدود الهندية، لإيقاف المهندسين الصينيين عن الاستمرار في بناء طريق في منطقة «دوكلام» التي تتنازع عليها مملكة بوتان والصين. من المعروف أن الهند تدعم مطالبات «بوتان» في هذه المنطقة، القريبة أيضاً من امتداد من الأرض الهندية يعرف باسم «رقبة الدجاجة»، يصل سبع ولايات تقع في شمال شرقها بالأرض الرئيسة. وقد تراجع التوتر بين البلدين، بعد عدة أسابيع على اندلاعه، وذلك عندما سحبت الأولى قواتها، وأوقفت الثانية عملية بناء الطريق. ولكن منطقة «دوكلام»، ظهرت مرة أخرى كموضوع للنزاع بين البلدين، وذلك عندما واصلت الصين الإجراءات الرامية إلى تعزيز وجودها، وقدراتها الدفاعية في هذه المنطقة. وتظهر صور الأقمار الصناعية الأخيرة، لقاعدتين صينيتين، وقاعدتين هنديتين، أن التسارع الاستراتيجي قد زاد بين الدولتين، وعلى وجه الخصوص الصين، التي قامت خلال فترة الثلاثة أشهر الماضية بإنشاء مدرج جديد لإقلاع وهبوط الطائرات، وثمانية مهابط للهليكوبتر، بالإضافة إلى زيادة عدد طائراتها المقاتلة في المنطقة. أما الهند، فقد قامت من جانبها، بتعزيز قدراتها الجوية الخاصة من خلال نشر طائرات مقاتلة من طراز سو-30MKI في قاعدتها الجوية في شمال شرق سيلي جوري، ومحطة هاسيمارا الجوية، اللتين تبعدان بمسافة 97 كيلومترا و70 كيلومترا على التوالي، من منطقة(دوكلام). وهذا يبين كيف تحركت الهند لتعزيز قوتها الجوية، بالقرب من المنطقة، وكيف قامت الصين بتعزيز دفاعاتها فيها، من خلال القيام- بالإضافة إلى الإجراءات التي سبق ذكرها- بإرسال 1800 جندي إلى المنطقة، على الرغم من الطقس القارس البرودة السائد هناك. كل هذا يمثل أسباباً للقلق بالنسبة للهند، التي تواجه بالفعل توترات كبيرة على حدودها مع باكستان. ولكن الهند، وعلى العكس من نظرتها لباكستان، تنظر إلى الصين بشكل مختلف تماماً. يرجع ذلك إلى حقيقة أن الصين قد هزمت الهند في حرب عام 1962، وأن ذكرى تلك الهزيمة لا تزال حية في إذهان الهنود، ولم تتلاش بعد. كما يذكر في هذا السياق أيضاً، أن النزاع بين الهند والصين، يدور حول عدة مناطق تقع على امتداد خط الحدود بين البلدين، الذي يبلغ طوله نحو 4 آلاف كيلومتر، والذي جرى ترسيمه فى العديد من المناطق، وبقيت مناطق أخرى من دون ترسيم، وهي تلك التي يدور حولها النزاع. فعلى سبيل المثال، تدعي الصين ملكيتها لولاية (أروناشال براديش) الواقعة شمال شرقي الهند بكاملها، وتعتبرها جزءاً من أراضيها. وفي الوقت الذي تندلع فيه النزاعات الحدودية بين البلدين من وقت لآخر، إلا أن البلدين توصلا في التسعينيات من القرن الماضي، إلى قرار بعدم السماح لتلك النزاعات حول الحدود، بالتأثير على المجالات الأخرى في منظومة العلاقات بينهما، وهو ما كان له تأثير في نمو العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إلى الدرجة التي باتت فيها الصين أكبر شريك تجاري للهند. ومع ذلك، يمكن القول إن اشتعال الوضع في «دوكلام»، يعد واحدة من أكثر الأزمات الحدودية، التي نشأت بين البلدين من حيث درجة الخطورة. ومع أن الهند قد أعلنت حينها أن النزاع قد جرى حله، إلا أن المحللين خلصوا إلى أنه لم ينته بعد، بدليل أن نيودلهي مازالت تصر على أنه من الضرورى عدم تغيير «الوضع القائم» فى النقاط الحساسة على الحدود بين البلدين، في حين تصر الصين على تحسين البنية التحتية في هذه النقاط. يمكن القول، مع ذلك، إن أنشطة الصين على أرض «دوكلام» تدل على مدى ثقة الصين بقوتها الآخذة في التعاظم في آسيا، كما يمكن أن تكون رد فعل من جانبها، على التقارب الهندي- الأميركي. من المعروف أن الهند، قد عملت- بسبب تنامي الطموحات الصينية- على توطيد أواصر العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة، التي تنظر إلى الهند كدولة، يمكن أن تكون قادرة على مواجهة، واحتواء الصين. كما أصبحت الهند، بالإضافة لذلك، عضواً فيما يعرف بـ«المجموعة الرباعية» التي تتكون منها، ومن الولايات المتحدة الأميركية، واليابان، وأستراليا. والدول الأربع في المجموعة تشعر بنفس القدر من القلق تجاه الصعود الصيني، كما أن الصين ترى من جانبها أن هذا التجمع الرباعي يضر بمصالحها، وأنه قد أنشئ في الأساس من أجل احتواء نموها. من هنا، يمكن القول إن تشدد الموقف الصيني بشأن النزاعات الحدودية مع الهند، والذي يتساوى مع الأسلوب الذي تتبناه في نزاعاتها الإقليمية، يمكن أن يكون رد فعل، على اصطفاف الهند بشكل علني مع الولايات المتحدة، والدول الأخرى في المجموعة. ولكن من الواضح أن «دوكلام»، التي تقع في قطاع لا يوجد فيه نزاع حدودي مباشر بين الصين والهند، قد باتت تمثل نقطة اشتعال بين الدولتين الآسيويتين الكبيرتين. وفي حين أن أياً من البلدين لا يرغب في اندلاع الحرب، إلا أنه ليس هناك شك في أن الصين، ستعمل على مواصلة أسلوب استفزاز الهند بشأن «دوكلام». لذلك يتعين على الهند التأكد دوماً من أن النزاع الإقليمي مع الصين لن يخرج عن زمام السيطرة، مع العمل في الآن ذاته على التأكد من استمرار قدرتها على التحكم في موقف مملكة بوتان. والمؤكد أن الهند، في نهاية المطاف، لا ترغب في رؤية «بوتان»، وهي تتعرض لضغط من جانب الصين، وهو ما يدعوها لإبقاء خطوط اتصالاتها مفتوحة باستمرار مع هذه المملكة، لأن النزاع في «دوكلام» إذا كان بين الصين وبوتان، في الأصل، إلا أنه يؤثر أيضاً على أمن الهند. د.ذِكْر الرحمن* *مدير مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي