لماذا يتمتع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشعبية كبيرة في بلده؟ وهل عنده مشروع للإقلاع بروسيا من جديد؟ وهل توجد حقاً معارضة سياسية روسية جدية؟ وإلى أي حد يمكن اعتبار روسيا دولة متقدمة؟ ومن هم حلفاؤها الحقيقيون؟ وما دواعي التدخل العسكري الروسي في سوريا؟ وما الذي يفكر فيه شباب تلك البلاد؟ وهل تخوض موسكو حقاً حرباً افتراضية على الإنترنت ضد الغرب؟ وماذا عن فترة «ما بعد بوتين»؟ هذه نماذج من الأسئلة التي يطرحها كتاب المؤلفة تاتيانا كاستويفا- جان: «روسيا بوتين في 100 سؤال»، الذي تطرح فيه بعضاً من أعقد وأصعب الأسئلة المتصلة بالحالة الروسية الراهنة، وتستدعي فيه أيضاً بعض تراكمات الذاكرة الصعبة في تاريخ ذلك البلد الذي يلقي بظلاله، في كثير من الأحيان، على واقعه الراهن. ولعل مما يزيد من قيمة هذا الكتاب صدوره وموسكو تستعد للانتخابات الرئاسية الوشيكة، وأيضاً كون مؤلفته تاتيانا كاستويفا- جان خبيرة متخصصة في الشؤون السياسية الروسية، كما أنها تقود أيضاً مركز دراسات روسيا والدول الجديدة المستقلة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية. كما أصدرت من قبل، كذلك، دراسات أخرى عديدة متصلة بالشأن الروسي، وبشؤون دول الفضاء السوفييتي السابق. وفي هذا الكتاب الواقع في 352 صفحة تقول الكاتبة، ابتداءً، إن تاريخ روسيا وثقافتها يتسمان بقدر كبير من الجاذبية، كما أن قدراتها العسكرية كبيرة وذات شأن، ولكن سياساتها تبقى محل اختلاف وإثارة للجدل في الغرب، وكذلك فاقتصادها محبِط، وعلى غير ما يرام. وكان البعض في الغرب يرون عادة روسيا على أنها قوة إقليمية كبرى في حالة تراجع، وإن كانت سياسات القوة واستعراض العضلات التي يتبعها بوتين قد تمكنت أيضاً من اجتراح عودة صاخبة واستعراضية لروسيا على المسرح الدولي. ولذلك أصبحت الآن دولة حاضرة، وذات كلمة مؤثرة، في ملفات دولية كبرى كثيرة: من أوكرانيا إلى سوريا، إلى الحرب على الإرهاب، وصولاً إلى المزاعم عن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وتذهب الكاتبة إلى أن اسمي بوتين وروسيا صارا شبه مترادفين في التداول الإعلامي منذ تسلم سيد الكريملن القوي السلطة منذ قرابة 18 سنة، وقد تمكن خلال هذه الفترة الزمنية المديدة من فرض رؤيته لكيفية إدارة شؤون البلاد، وفي الوقت نفسه مواجهة التحديات والتطلعات الصعبة التي تستحوذ على القدر الأكبر من اهتمام الروس. وقد فعل ذلك بطرق مختلفة بعضها يوصف في الغرب، وفي رأي منتقدي بوتين الداخليين، بالأوتوقراطية والسلطوية، وبعض آخر يوصف أيضاً، من وجهة نظر مؤيديه في الداخل والخارج، بأنه تحديث وإعادة انطلاق جديدة للدب الروسي لم تخلُ من مفاجآت ووعود وخاصة بعد السبات العميق في عقد التسعينيات إثر صدمة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق. وفي جزئية الحديث عن آليات عملية ترسيخ السلطة تستعرض الكاتبة بشكل خاص كيفية توظيف بوتين للمؤسسات، وإدارة نظامه لأجهزة الدعاية والإعلام والإعلان، وهذا ما جعله الآن يقف على عتبة الحصول على فترة ولاية رئاسية رابعة شبه مضمونة، بشكل لا لبس فيه. على أن المؤلفة أيضاً تروي في كتابها قصة هذا البلد، كما ينبغي للقصص الكبرى أن تروى، حيث تبدأ من البدايات ولا تنتهي إلا مع النهايات، مستعرضة بالتفصيل فصولاً ومواسم من التاريخ الروسي الصعب الذي يتعذر فهم كثير من خصوصيات وتعقيدات الحالة الروسية الراهنة دون استحضاره واستصحابه ضمن آليات فك شيفرات المشهد بكل ما قد يبدو فيه من إيهام وإبهام. وضمن هذا الاستدعاء للتاريخ تتساءل في مفتتح كتابها عن أي ذكرى يحملها الروس عن الفترة القيصرية؟ وعما إن كانوا ما زالوا يضمرون مشاعر إيجابية تجاه ثورة أكتوبر الشيوعية في 1917؟ وعن الأسباب التي تجعل ستالين ما زال يتمتع بقدر من الشعبية في صفوف الروس؟ وماذا عن الشعوب التي هجّرها بتعسف من أوطانها؟ ولماذا يكره الروس ميخائيل غورباتشوف؟ وبطبيعة الحال، فالإجابة التي تقترحها على مثل هذه الأسئلة التاريخية لا تخلو من أحكام قيمة، ورؤى تقديرية، كما أن بعض هذه الأسئلة يحمل أصلاً في طياته نوعاً من المصادرة على المطلوب، حيث إن افتراض النظرة الإيجابية للثورة، والشعبية المستمرة لستالين، والكراهية لغورباتشوف، قد يكون في حاجة إلى إثبات سلفاً في حد ذاته، قبل أن يكون أساس استنتاج. وعن مشكلات روسيا الاقتصادية المزمنة التي تقيد انطلاقتها السياسية وأدوارها الدولية القوية تقول الكاتبة إن من أكثر مشكلات روسيا الهيكلية تعقيداً الاختلال القطاعي لتوزيع السكان والموارد على خريطتها الهائلة، حيث إن ثلاثة أرباع مساحتها تقع في آسيا، في حين أن 80% من السكان يعيشون في ربع المساحة الواقع في أوروبا. كما تشير أيضاً إلى الحالة الاستثنائية التي يكتسيها الشرق الأقصى الروسي كأراض مخلخلة سكانياً، فتلك المنطقة تمثل لوحدها نسبة 36% من أراضي البلاد، ولكن لا يقطنها سوى 5% فقط من مجموع السكان. وزادت من تعقيد الحالة الاقتصادية الروسية الراهنة أيضاً العقوبات الأوروبية، بعد ضم شبه جزيرة القرم، حيث إن نسبة المبادلات مع أوروبا تمثل نصف المبادلات الخارجية بالنسبة لروسيا. وعن الحال الاقتصادي العام تتساءل الكاتبة هل يمكن حقاً اعتبار روسيا دولة بازغة وذات معدلات نمو مرتفعة كما هي حال معظم شركائها الآخرين في مجموعة الدول البازغة «البريكس»؟ مبرزة في هذا الصدد أن هنالك الكثير من الاختلالات في بنية الاقتصاد الروسي، والضعف في البنيات التحتية، وللدلالة على هذا يكفي أن روسيا، وهي الدولة الأكبر مساحة على مستوى العالم، لا تملك سوى 800 ألف كلم من الطرق، في حين يمتلك الاتحاد الأوروبي 5 ملايين كلم من الطرق. هذا فضلاً عن عدم تمكن الاقتصاد الروسي من تجاوز العقبات التي تحول بينه وبين التنافسية، والمزاحمة في الأسواق الدولية، وذلك بحكم اتساع هامش تدخل الدولة والقطاع العام في مفاصل هذا الاقتصاد. حسن ولد المختار الكتاب: روسيا بوتين في 100 سؤال المؤلفة: تاتيانا كاستويفا- جان الناشر: تالاندييه تاريخ النشر: 2018