كل يوم تأتي البراهين التي تؤكد صواب الرؤية السياسية العربية التي ترى أن إقامة الدولة الفلسطينية هي مفتاح الأمن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي وأحد المفاتيح الرئيسية للاستقرار في منطقتنا. إن أوروبا والولايات المتحدة وسائر دول العالم تؤمن بنجاعة هذه الرؤية وتعبر عن التأييد لها، بل إن معسكر السلام الإسرائيلي يؤيدها ويرى فيها طوق النجاة لإسرائيل من الصراع المستمر منذ أكثر من قرن من ناحية، ومن أطماع التوسع التي يحتضنها اليمين الإسرائيلي من ناحية ثانية. لقد أضيف إلى إجماع ساسة العالم منذ أسبوع صوت قوي ومؤثر، ممثلاً في جنرالات إسرائيل المتقاعدين من ذوي الخبرة العسكرية والأمنية الذين يؤيدون هذه الرؤية، ليس من منظور العدل والحق العربي، بل من منظور المصالح الإسرائيلية المحضة. ونتمنى أن يكون هذا الصوت الذي تردد صداه بقوة في إحدى الصحف الأميركية الكبرى ملهماً لإدارة الرئيس دونالد ترامب وهي تعد مشروعها للسلام، بحيث تعلن تأييدها المطلق وغير المشروط لرؤية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، من دون أن تعلق هذا التأييد على موافقة اليمين الإسرائيلي التوسعي. إنه أمر جيد أن تتفق رؤية الجنرالات الإسرائيليين مع ما لاحظناه من قبل، والذي تمثل في مشهدين في قاعة الكنيست الإسرائيلي بينما كان مايك بنس نائب الرئيس ترامب يلقي خطابه مؤخراً. لقد جسد المشهد الأول حماس وتصفيق أعضاء الجناح اليميني الإسرائيلي لخطاب بنس كلما تحدث عن أمن إسرائيل وتأييده لنقل السفارة الأميركية للقدس، بينما جسد المشهد الثاني موقف الرفض الواضح من هذا الجناح اليميني لرؤية حل الدولتين التي تعني إقامة الدولة الفلسطينية، حيث لم يحرك عضو واحد من اليمين يديه للتصفيق عندما تحدث بينس عن التزام الرئيس ترامب بحل الدولتين إذا أراد الطرفان. لقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية الأسبوع الماضي (يوم الجمعة 2 فبراير الجاري) مقالاً كتبه الجنرال «داني ياتوم»، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، بالتعاون مع الجنرال «إمنون ريشف» أحد كبار القادة السابقين في الجيش الإسرائيلي، وكلاهما عضو في مجموعة تضم عدداً كبيراً من قادة المخابرات والأجهزة الأمنية السابقين المشغولين بمصالح إسرائيل وأمنها. عنوان المقال هو «مسار خطر يجب أن تتجنبه إسرائيل»، وقد انطلق فيه الجنرالان معبرين عن اعتراضهما على موقف الجناح اليميني الإسرائيلي الرافض لحل الدولتين، ومبينين المخاطر التي ستتعرض لها إسرائيل بسبب ميول وسياسات هذا الجناح التوسعي. وجه الجنرالان رسالة تحذر إلى الجناح اليميني الإسرائيلي من الاستمرار في رفض إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي تضمن فصل الشعب الفلسطيني بكتلته السكانية في الضفة، والمقدرة بنحو مليونين ونصف المليون فلسطيني، عن دولة إسرائيل. الرسالة تقرع نواقيس الخطر بمعايير المصالح الإسرائيلية البحتة في آذان اليمينيين، وتحذرهم من العواقب الوخيمة لمشروعاتهم التوسعية ومن ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى «دولة إسرائيل». يرى الجنرالان أن أي تنفيذ للضم ولو كان جزئياً سيؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية وتحميل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عبئاً هائلاً للسيطرة على الضفة، ناهيك عن الأعباء الاقتصادية التي ستتحملها إسرائيل والتي ستضطر إلى إنفاق 11 مليار دولار سنوياً للحفاظ على الحياة في الضفة. أضف إلى ذلك خطورة انضمام الشعب الفلسطيني إلى دولة إسرائيل بكل ما يحمله هذا من تهديد أمني وسياسي وأيديولوجي. أتمني أن تقوم الديبلوماسية العربية بتنبيه إدارة الرئيس ترامب إلى هذه الرؤية المؤيدة لحل الدولتين والقادمة من الجنرالات الإسرائيليين أنفسهم.