المركز القانوني للإنسان، بمعنى ما يجوز وما لا يجوز له في نظر القانون، وما يكون أهلاً وما لا يكون أهلاً له، وما يُعفى وما لا يُعفى عنه.. يختلف بطبيعة الحال حسب مراحل عمره. ورغم أن السن معيار ثابت، والمركز القانوني القائم عليه يفترض أن يكون ثابتاً أيضاً، فالملاحظ أن مركز الإنسان يتأرجح بين القوانين ذات الصلة، فتارةً يكون المناط السن بالتقويم القمري، وتارةً بالتقويم الشمسي، وتارةً السن يحدد المسؤولية عن الأفعال، وتارة الأفعال تحدد المسؤولية. مثلاً، يَفترض «قانون العقوبات لسنة 1987» وجود الإكراه عند ممارسة نشاط جنسي مع من لم يتم 14 سنة، حتى لو لم يعترض هو على ذلك، بينما «قانون جرائم الاتجار بالبشر لسنة 2006» يقرر مساءلة الضحية، أياً كان عمره، إذا ساهم دون أي إكراه في تنفيذ جريمة الاتجار به، أو إذا لم يبلغ السلطات مع قدرته على ذلك، وهكذا نجد أن قانوناً لا يرتب أي أثر على قبول مَن لم يُتم 14 سنة بفعل جنسي معه، ونجد أن قانوناً آخر يرتب أثراً على قبوله الاتجار به. ورغم أن عدم إتمام 18 سنة له اعتبار كبير في درجة المسؤولية الجنائية ومقدار العقوبة، فالإنسان يعد طفلاً قبل هذا العمر بحسب «قانون حقوق الطفل لسنة 2016»، وحدثاً يؤاخذ في حال ارتكابه جريمة وفق «قانون الأحداث لسنة 1976»، كما أن من أتم 18 سنة ولم يتم 21 سنة يستفيد من عذر حداثة السن، ويجوز في جرائم الجنح للمحكمة أن تعفيه من العقاب إذا لم يكن له سوابق، فإن هذه الاعتبارات للسن لا يُؤخذ بها بموجب «قانون اختصاص المحاكم الشرعية بنظر بعض الجرائم لسنة 1996»، ويكون الاعتبار في جرائم الحدود والقصاص للبلوغ الشرعي (الاحتلام أو الحيض) وليس لسنوات العمر. وثمة فارق زمني بين سن الرشد والتمتع بالأهلية الكاملة، وهو إتمام 21 سنة قمرية بحسب «قانون المعاملات المدنية لسنة 1985»، و«قانون الأحوال الشخصية لسنة 2005»، وبين أهلية مباشرة التجارة بإتمام 21 سنة ميلادية بحسب «قانون المعاملات التجارية لسنة 1993»، حيث إن 21 سنة قمرية تساوي 20 سنة و4 أشهر و15 يوماً بالتقويم الميلادي. ونجد أيضاً أن «قانون الإجراءات المدنية لسنة 1992» يمنع حبس المدين إذا كان قد تجاوز 70 سنة، مراعاة لأحوال المسنين وضعفهم، في حين أن «قانون الضمان الاجتماعي لسنة 2001» يعرّف المسن بأنه كل شخص بلغ 60 عاماً وليس له مصدر دخل، وهو القانون الوحيد في الدولة الذي يحدّد سناً لمن يعتبر مسناً. المركز القانوني للإنسان كما هو واضح يتأرجح بين قانون وآخر، وفعل وآخر، وأعتقد أن السبب هو صدور تلك القوانين في مراحل مختلفة. وللتوفيق بين بعض الآراء الفقهية وبين الاتجاهات العصرية في التشريعات، من المهم إجراء مراجعة لكل المواد المتعلقة بالسن في القوانين، لتوحيدها من جهة التقويم المعتمد، ومن جهة المسؤولية المترتبة على كل مرحلة سنية.