«يالأهوال الأكاديمي الوطني النجفي»، كان عنوان هذا المقال، عندما شرعتُ بكتابته عن «حكمت شُبّر»، الذي شغل مناصب جامعية عدة، بينها عميد «معهد الدراسات العليا في القانون والعلوم السياسية» في النجف، وعميد «كلية القانون» في «جامعة أربيل»، وأستاذ القانون الدولي في «الجامعة المستنصرية» في بغداد. وفي كل هذه المواقع واجه الأهوال، لوقوفه ضد الطائفية، والعنصرية، والاحتلال. أعلن ذلك في مؤلفاته المنشورة، وبينها «الحروب العدوانية وما أفرزته من قروض وتعويضات بحق العراق»، و«الاتفاقية الأمنية العراقية الأميركية إلى أين؟»، و«الشكل القانوني للنفوذ الاستعماري في البلدان العربية». «في عيوني دمعتان، دمعة أطوي بها ذُلّ المكان، دمعة أخرى لأحزان الزمان»، بيت شعر من قصائد «شُبّر»، وبعض شعره ينبجس في هوامش بحوثه القانونية، كأنّ النص قاصر عن التعبير. «من عهد فرساي ما انفكّت تلاحقها، أطماع قومٍ أباحوا أرضها سلباً، تقاسموها جزيرات مبعثرة، لم يبق بينهم أفّاك ما نهبا. مقطوعة النهد والأطراف شامخة، مرفوعة الرأس يعلو هامها السحبا». هذه الأبيات حَشَرَت نفسها في دراسة عنوانها «الكرد والمادة 14 من الدستور» تتضمن أحكاماً من القانون الدولي، تؤكد حق الأكراد بتقرير المصير. وفي بحوثه عن القضية الكردية يجمع «شُبّر» بين موقفين قد يبدوان متناقضين، وهما الدفاع عن حق الأكراد في تقرير المصير، وانتقاد التجاوزات الكردية على قانون الفيدرالية. «فالأخوة الأكراد الذين طالبنا وما زلنا نطالب لهم بحق تقرير المصير، أساؤوا كثيراً للدولة العراقية، ولإخوانهم في المركز، حيث تصرفوا وما زالوا يتصرفون كدولة مستقلة لا تتقيد بقواعد الدستور العراقي، التي لا يحق لهم بموجبها امتلاك جيش منفصل (البشمركة)، فالجيش الذي من مهماته الأساسية الحفاظ على وحدة وأمن البلد، والدفاع عن حدوده وسلامة أراضيه يكون تحت سيطرة المركز، وهم استحوذوا على سلاح الجيش العراقي بعد الاحتلال». وتفاءلوا بالعراق تجدوه في «حكمت شبر»، فهو الباقي من أسرته النجفية العريقة، بينما غادر أشقاؤه وأبناؤه وأحفاده إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وسويسرا، والسويد، وكندا، وأميركا. ورَفَض «شُبّر» منصباً رفيعاً في رئاسة الجمهورية، وشتم بالأسماء معارفه وأصدقاءه الذين تعاونوا مع حكومات الاحتلال، لم يستثنِ سوى «كامران قرداغي» رئيس ديوان رئاسة الجمهورية خلال عهد جلال الطالباني، ربما بسبب وشائج عاطفية منذ دراستنا في «جامعة لينينغراد»، وتُسمى الآن «بطرسبرغ»، حيث أسّسنا نحن الثلاثة «لجنة الدفاع عن الشعب العراقي»، وكانت جزءاً من حركة عالمية لمناهضة انقلاب عام 1963، تزعمها الشاعر محمد مهدي الجواهري، ودعمها الفيلسوفان، الفرنسي «سارتر»، والبريطاني «راسل» اللذان اعتبراه «انقلاب النفط والدم». و«شُبّر» شاعر رغم أنف الشعر، فهو لا يُراعي قواعد الوزن التقليدية في قصائده المنشورة في دواوين، ومن أرقِّها «الزنبق الحلو» عن زوجته «إيمان الرفيعي»، وفيها يقول: «وأزهر الورد من أطلال بسمتها، والزرع من فرحة نوراً يغطينا. يا نجمة الصبح يا حوراء فاتنة، أزحتِ هماً ولوّنتِ أمانينا». وهو روائي رغم أنفي. فأنا لم أنجز بعد رواية شرعتُ بها في الجامعة، فيما أصدر هو روايات عدة، بينها رواية عن منافستي الغرامية على عراقية جنوبية، أنا وصديق المراهقة الأكاديمي العراقي الألماني «نعمان بابان» الذي زامل «شُبّر» في «جامعة أربيل». وروايته عن «إيزيس» زميلته أيام الجامعة، منعتها زوجته التي تدون أعماله على الكومبيوتر. و«إيزيس» جوهرة روسية لا أدري لماذا أُغرمت به، ربما لأنه بركان لا يهدأ حتى في لحظات الأنس. كنا نستجيب لدعوته بالذهاب إلى «الحمّام الروسي»، فينذرنا طوال الطريق بأنه سيموت بنوبة قلبية في غرفة «البارنايا» وتعني «البخارية». و«البارنايا» النسخة الأرضية من الجحيم، لم أكن أستطيع المكوث فيها دقائق، فيما يغفو «شُبّر» عارياً من دون منشفة الحمَّام!