في الآونة الأخيرة كنت أبحث عن أمثلة للانتعاش الوطني في دول ابتليت بالاضطراب وعدم المساواة والاستقطاب، لكنها استطاعت العودة أقوى مما كانت عليه. وكنت مهتماً خصوصاً بالطريقة التي استعادت بها بريطانيا نفسها بين عامي 1820 و1848، إذ حمل انتعاشها بعض الدروس المتواضعة لنا اليوم. كانت بريطانيا تدور في دوامة من التغييرات الاقتصادية والديموغرافية، وشهدت أزمات مالية وكساداً حاداً وحالة من عدم المساواة الساحقة. في ذلك الوقت، بلغ متوسط العمر المتوقع 40 عاماً (وكان في مانشستر وليفربول 28 عاماً فقط). وإلى ذلك، شهدت البلاد أعمال شغب واسعة النطاق وعمليات قمع من قبل الحكومة. وفي عام 1819، حكم على 1206 متطرفين بالإعدام، لكن الحكم لم ينفذ سوى في 108 فقط منهم. وردت البلاد على تلك الاضطرابات بكل الوسائل الممكنة. أولاً، كانت هناك سلسلة من الحركات الاجتماعية، مثل طائفة «كلافام»، وهي مجموعة من القادة الإنجيليين الذين يسعون للقضاء على العبودية ونشر الإيمان وتثبيط المديونية وبناء مدارس الأحد وتقويم السلوك ونشر ما نسميه الآن «الأخلاق الفيكتورية». وكانت هناك أيضاً حركة العمال الراديكاليين التي نظمت مسيرات عملاقة في جميع أنحاء البلاد واتحدت حول ميثاق الشعب الذي كانت له ستة مطالب، منها حق الاقتراع العام للذكور، والتصويت من خلال الاقتراع، وتحديد المقاطعات الانتخابية. وأخيراً، كانت رابطة مكافحة قانون الذُّرة، التي كانت جماعة الضغط الأفضل تنظيماً وتمويلاً في بريطانيا آنذاك. كانت هذه الحركة تروج لتشريعات التجارة الحرة للحد من سلطة أصحاب الأرض من طبقة النبلاء، وخفض أسعار الأغذية وتشجيع التبادل والتعاون الدوليين، وقد أثارت هذه الحركات الاجتماعية الإعجاب، لكن المفتاح لنجاح بريطانيا كان يتمثل في الطريقة التي استجاب بها الزعماء السياسيون لهم. كانت بريطانيا تنعم بنظام برلماني مستقر وثقافة تشريعية تقدر المداولات والمناقشات. وأدرك الزعماء السياسيون من كلا الحزبين أن رياح التغيير كانت تهب، وأنه من الأفضل بالنسبة لهم البدء في إصلاحات إذا ما كانوا يريدون تجنب الثورة. كانت الأحزاب السياسية تمثل مصالح راسخة لكنها ليست أيديولوجية بشكل خاص، فقد اعتادت تسليم زمام السلطة ثم استرداده مرة أخرى. ونتيجة لذلك، وبينما كانت هذه الأحزاب تتنافس بشكل مرير، لكنها كانت تتقاسم وطنية مشتركة حيث يلعب كل حزب دوره فيها. وهيمن حزب «الأحرار» خلال ثلاثينيات القرن الـ18، ومروراً بقانون الإصلاح الديمقراطي لعام 1832. لم يحظ هذا القانون بالقبول، لكنه عالج معظم الممارسات الفاسدة للأوليجاركية القديمة. ومرر الأحرار أيضاً سلسلة الإصلاحات الأخرى، مثل قانون المصانع الذي ينظم أماكن العمل، وقانون الشركات المحلية الذي أصلح الحكومة المحلية. أما المحافظون الذين كان يقودهم «روبرت بيل»، فسيطروا على الحكومة. وفي أوقات الاضمحلال الاجتماعي، كان «بيل» يجسد الاستقامة وحسن الخلق. وحول حزبه إلى حزب محافظ معتدل، حيث أيد إصلاحات الأحرار ومرر مجموعة من الإصلاحات الخاصة به. وعلى مدى حياته المهنية، قام بيل بإصلاح نظام العدالة الجنائية للحد من انتشار عقوبة الإعدام. كما حرر الكاثوليك وأسس قوة شرطة لندن وخفض الرسوم الجمركية المفروضة على القمح والسكر والذرة. كما مررت الحكومة 442 قانوناً للسكك الحديدية خلال الفترة بين 1844 و1847، ما أدى إلى توسيعها بنحو ألفي ميل، وذلك أثناء وجود فائض. وفي عام 1848، اجتاحت ثورات العمال أوروبا، ما عرض الأنظمة للخطر، لكن بريطانيا نجت لأنها عالجت مشاكل العمال جزئياً. وإن لم تستطع التخلص من الانقسامات الاجتماعية، فإنها كانت مترابطة وتمكنت خلال الـ65 عاماً التالية من الحكم كأعظم قوة على الأرض، والمركز العالمي للعلوم والتجارة والأدب. أما نحن الأميركيين، فلم نحتشد كما فعل البريطانيون في القرن الـ19 في أوقات الأزمة. لقد شكل الأميركيون العديد من المنظمات الصغيرة، ولكن عدداً قليلاً من الحركات الوطنية المقنعة، وكان «حزب الشاي» وحركة «حياة السود تهم» هما الأقرب. على مدى 15 عاماً، لم تتمكن الولايات المتحدة سوى من تمرير عدد قليل فقط من الإصلاحات الاجتماعية الرئيسة، مثل قانون «دود– فرانك» لتنظيم القطاع المصرفي، وقانون «حماية المستهلك»، وقانون «أوباماكير»، وأخيراً قانون الإصلاح الضريبي لترامب. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»