أشارت الصين قبل أيام إلى أنها تعتزم بناء «طريق حريري قطبي» ستقوم من خلاله بفتح ممرات للشحن عبر منطقة جديدة إلى حد كبير تقع على قمة العالم. إنها فكرة طموح لدولة ليس لديها حدود قطبية، لكنها أيضاً تثير مخاوف في جميع أنحاء العالم بشأن نوايا الصين وقدرتها على الإشراف البيئي، وعلى الرغم من أنها مخاوف معقولة، فإنها بالتأكيد تحمل مغالاة. من الناحية النظرية، سيخلق ذوبان الجليد فرصة اقتصادية كبيرة، فمن ناحية تمتلك هذه المنطقة 22% من احتياطي الغاز والنفط في العالم. وفيما يتراجع الجليد نتيجة للتغير المناخي، سيكون الحصول على هذه الاحتياطات أكثر سهولة. ومع فتح ممرات جديدة للشحن، سيكون نقل هذه الاحتياطات أكثر سهولة أيضاً، فإذا سلكت سفينة شحن متجهة من شنغهاي إلى روتردام الممر الشمالي الغربي، بدلاً من المرور عبر قناة بنما، فإنها ستقلل مسافة رحلتها بنحو 2200 ميل. وبالفعل، هناك نحو 900 مشروع للبنية التحتية في المناطق القطبية الشمالية في مراحل مختلفة من الإنجاز. ومن المؤكد أن معظم هذه المشروعات لن يحقق أي نجاح، فمن الصعب التنبؤ بالضبط كيف وأين سيذوب الجليد القطبي. وربما لا تُفتَتح بعض ممرات الشحن المأمولة حتى سبعينيات هذا القرن، أما المسارات التي تم فتحها بالفعل، فمن غير المرجح أن تدعم أعمال الشحن المربحة، وذلك بسبب بعدها وارتفاع تكلفة التأمين. في عام 2016، عبرت 19 سفينة فقط طريق البحر الشمالي بين آسيا وأوروبا – الأمر الذي لا يكاد يكون دليلاً على الاندفاع للاستفادة من هذه الممرات الجديدة أو المنافسة بالنسبة لقناة بنما. ورغم ذلك، فإن الصين لديها نظرة بعيدة. ففي العقد الماضي، بدأ الأكاديميون الصينيون في نشر أبحاث حول دور القطب الشمالي في مستقبل الصين الاقتصادي والجيوسياسي. وبدأ صناع السياسات في وصف الصين «كدولة شبه قطبية» ومن «أصحاب المصلحة» في القطب الشمالي، على الرغم من أنها ليس لديها حدود ساحلية أو مطالبات إقليمية واضحة أخرى في المنطقة. وفي عام 2016، أصدرت الصين دليلاً يتألف من 356 صفحة حول الإبحار في الممر الشمالي الغربي لكندا، ثم قامت برحلة ناجحة عبر الطريق البحري الأسطوري بعد ذلك بعام واحد فقط. وقد أدى كل ذلك إلى بعض المخاوف المفهومة، فعلى سبيل المثال: تخشى كندا من أن الصين لن تحترم مطالبها السيادية القائمة، واتهمت الصين مؤخراً بالحصول على تصريح للقيام برحلة في ممرها الشمالي الغربي في إطار فرضيات زائفة. وباعتبارها أكبر مستهلك للنفط والغاز والمعادن والمأكولات البحرية في العالم، فمن المؤكد أن الصين سيكون لها تأثير كبير للغاية على بيئة المنطقة. بيد أن هذه كلها أسباب تجعل لها قولاً في تحديد مستقبل القطب الشمالي. وحتى الآن، على الأقل، كانت الصين على استعداد للعمل في إطار القواعد الدولية. وفي عام 2013، حصلت على وضع مراقب دائم في مجلس القطب الشمالي، وهو عبارة عن مجموعة تضم الدول القطبية الثمانية وستة مجتمعات للسكان الأصليين. وفي شهر ديسمبر، كانت واحدة من 16 دولة وافقت على فرض حظر على الصيد التجاري لمدة 16 عاماً في القطب الشمالي، بينما يدرس العلماء الحياة البيئية البحرية في المنطقة وكيف يمكن أن تتأثر بالتغير المناخي، وهذا لا يعد ضماناً على أن أساطيل الصيد الصينية النهمة لن تصب في المياه القطبية بحلول عام 2034، بيد أن هذا يعد تذكيراً بأن الصين لن تتأثر بالمخاطر والفرص التي يخلقها الاحترار في منطقة القطب الشمالي، ولديها دور شرعي لكي تقوم به هناك. ومع أخذ هذا في الاعتبار، لا تزال هناك حاجة إلى وجود قواعد أكثر وضوحاً ومؤسسات أكثر قوة. بداية، يجب على الولايات المتحدة أن تكون مثالاً يُحتذى به للتصديق في النهاية على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهي المعاهدة التي تحكم المحيطات. ومن خلال القيام بذلك، ستحصل على مزيد من النفوذ في المناقشات التي تدور حول القطب الشمالي، وتساعد على ضمان حل النزاعات بطريقة منظمة. وعلاوة على ذلك، فإن قانون المياه القطبية (المدونة الدولية للسفن العاملة في المياه القطبية)، الذي ينظم حركة سفن الشحن والسفن السياحية في المنطقة، يجب أن يمتد إلى قوارب الصيد، التي يمكن أن تشكل أكبر خطر على النظام الإيكولوجي في القطب الشمالي، وأخيراً سيكون من المنطقي إنشاء هيئة علمية دولية تستطيع تقديم معلومات في الوقت المناسب عن البيئة والمخزون السمكي في القطب الشمالي. لن يعمل أي من هذه الإجراءات على أكمل وجه. لكنها من الممكن أن تساعد على ضمان أن القطب الشمالي، إحدى المناطق غير المكتشفة على الأرض، لن يصبح أحدث مناطق الصراع. آدم مينتر: كاتب متخصص في الشؤون الصينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»