هناك صراع قوي يقسّم الناخبين الأميركيين، صراع لا يتعلق بالتنافس بين الديمقراطيين والجمهوريين أو بالاختلافات حول المواضيع، وإنما بالرأي المتفائل للجمهور بشأن الاقتصاد خلال السنة الأولى من رئاسة دونالد ترامب، والرأي المتشائم في الوقت نفسه بشأن ترامب نفسه. والواقع أن التباين قوي وكبير. فاستطلاعات الرأي تُظهر قدراً كبيراً من الرضا عن حالة الاقتصاد، هو الأكبر منذ أواخر إدارة الرئيس بيل كلينتون وبداية جورج دبليو. بوش. وفضلاً عن ذلك، فإن ثقة المستثمر والمستهلك في ارتفاع. ففي يناير الماضي، ارتفع مؤشرا «داو جونز» الصناعي و«إس آند بي 500» بنحو 5%. والأسبوع الماضي، أُعلن أن ثقة المستهلك أخذت تقترب من أعلى مستوى لها منذ 17 عاماً. غير أنه في الوقت نفسه، لم يسبق لأي رئيس أميركي أن سجل معدلات تأييد شعبي منخفضة مثل معدلات ترامب بعد عام واحد في الرئاسة، حيث تُظهر استطلاعات الرأي أنه يحظى بإعجاب شخصي أقل، خلال المرحلة نفسها من الرئاسة، مقارنة بالرئيسين السابقين باراك أوباما وجورج دبليو. بوش. لا بل إن معدلاته الشخصية في استطلاعات الرأي متأخرة حتى عن معدلات نائب الرئيس السابق جو بايدن ومعدلات المرشح الرئاسي الجمهوري لسنة 2012 ميت رومني. ويقول مستطلع الآراء الديمقراطي بيتر هارت في هذا الصدد: «على غرار السيارات التي لديها واقيات صدمات جيدة، يبدو أن الرؤساء الذين لديهم شعبية شخصية يمتصون الضربات بشكل جيد». وبالنسبة لسنة ترامب الأولى في الرئاسة، يقول هارت إنه «لا يمكن وصفها سوى بأنها كانت سنة عزلة شخصية». والحق أن معدلات التأييد الشعبي لترامب تحسّنت قليلاً الأسبوع الماضي عقب خطابه حول حالة الاتحاد يوم الثلاثاء. كما أنه كان مدافعاً قوياً عن خفض الضرائب الذي تم اعتماده في يناير، والذي نَسب إليه الفضل في تحسن الاقتصاد. غير أن الحقائق هي الضحية الأولى: ذلك أن قوله بأن الاقتصاد أضاف 200 ألف وظيفة شهرياً منذ انتخابه هو أعلى من الرقم الحقيقي بـ17%. والواقع أن الاقتصاد أضاف بالفعل 200 ألف وظيفة في يناير، مثلما أعلنت وزارة العمل يوم الجمعة. وقد يكون الخفض الضريبي لعب دوراً في ذلك، لكن زيادة الوظائف لم تكن أبداً الأكبر في التاريخ، ولا حتى قريبة من ذلك. أنصار الرئيس يقولون إن عدداً أكبر من الناخبين سيغيرون رأيهم بشأن ترامب. وفي هذا الصدد، يقول آندرو سورابيان، تلميذ مستشار ترامب السابق ستيف بانون ومستشار «تحالف أميركا العظيمة» الموالي لترامب: «إن الأمر سيتطلب بعض الوقت حتى يشعر الناس بالأخبار السارة بشأن الاقتصاد». لكن الديمقراطيين يميلون إلى الاختلاف مع هذا الرأي، ويقولون إن الاقتصاد كان قوياً منذ وصول ترامب إلى الرئاسة، بما في ذلك خلال الفترات التي كانت فيها شعبيته في هبوط. والمؤكد أن الاقتصاد ليس الشيء الوحيد الذي سيحدد الكيفية التي سينظر بها الأميركيون إلى ترامب. ذلك أن أزمة خارجية أو نتيجة تحقيق المحقق الخاص روبرت مويلر في إمكانية وجود تدخل روسي في الانتخابات الأميركية، قد يكون لها تأثير كبير. وعلينا ألا ننسى أن الرؤساء لديهم تأثير أقل بكثير على تقلبات الاقتصاد مما يعتقده كثيرون، إذ لم يسبق لأي رئيس أبدا أن تحكم في دورة الأعمال. يقول الملياردير ديفيد روبنشتاين في منتدى رعته «بلومبيرج» خلال منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، الشهر الماضي، «عندما يكون الناس سعداء وواثقين، يحدث شيء خطأ». وإذا ما حدث ذلك «الشيء الخطأ» مع ترامب، فإن ذلك هو الوقت الذي سيكون فيه تأثير نفور الجمهور من شخصية الرئيس هو الأقوى عليه. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»