رغم أهمية السياسة والقادة، فإن النظام العالمي الحالي يختلف عن سابقيه ليس فقط بين الدول ولكن بين المجتمعات أيضاً. من هنا أهمية لفت النظر إلى بعض الحركات الاجتماعية العالمية الجديدة مثل الحركة النسائية «أنا أيضاً» وتأثيراتها على ما يحيط بنا ويهمنا، وخاصة الإسلام خارج دياره وبعض من يقدمون أنفسهم على أنهم ممثلوه هناك، ومنهم «طارق رمضان». طارق رمضان هو أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية سان أنتوني بجامعة أوكسفورد، ورغم هذا المركز الأكاديمي المرموق، فإن أهم ما يشتهر به عالمياً وإقليمياً هو أنه حفيد «حسن البنا»، مؤسس جماعة «الإخوان»، فقد هرب والده، وحيد رمضان -بعد الصراع بين «الإخوان» وعبدالناصر- ليستقر في جنيف، حيث تم بناء جامع كبير منذ منتصف الخمسينيات في وسط المدينة. وفي جنيف وُلِد طارق وتَعَلّم في مدارسها، وقد تحدثت بالصدفة مع أحد الأساتذة الذين درّسوه في المرحلة الثانوية، ويتذكره كتلميذ ملتزم. أكمل طارق تعليمه في جامعة جنيف وتخصص في الدراسات الإسلامية وكتب عنها الكثير من موقعه هناك، لذلك فهو خليط من الشرق والغرب، فأصوله وتنشئته مصرية إسلامية، لكن تعليمه منذ الصغر ثم وظائفه كل ذلك في مؤسسات غربية. وفي كتاب حارات بالفرنسية بينه وبين «آلان جريش»، رئيس التحرير السابق لجريدة «لوموند دبلوماتيك»، الذي وُلِد في مصر وعاش فيها مع والديه الفرنسيين حتى بلوغه الثامنة عشرة، يقول له جريش إنه رغم اسم جريش الفرنسي واسم رمضان العربي، فإن جريش قد يعرف مصر على الأرض أكثر من طارق رمضان! وحاول الرجل البناء على هذا «التهجين» في نشأته ومعيشته ليؤسس «الإسلام الأوروبي»، ولذلك حظيت كتاباته بشعبية كبيرة في الغرب، لأنها تحاول مواجهة تحديات حقيقية للمسلمين هناك، وخاصة الـ5 ملايين مسلم الذين يقطنون فرنسا. طارق رمضان يقبع حالياً رهن الاعتقال في فرنسا مُتَّهماً من سيدتين فرنسيتين -إحداهما مقعدة على كرسي متحرك- باغتصابهما أثناء زيارته لإلقاء محاضرات في فرنسا منذ تسع سنوات، وقد تم إقناعه بالتوقف عن عمله في جامعة أكسفورد وذهب إلى فرنسا للدفاع عن نفسه. السيدة الأخرى التي تتهم رمضان هي «هند آياري»، وهي صحفية فرنسية من أصول تونسي، عاشت معظم حياتها بحجاب كثيف كمعظم المنتمين إلى الإسلام السلفي، ثم قررت منذ عدة سنوات خلع الحجاب وتكريس كتاباتها ضد «الإسلام السلفي»، ونشرت كتاباً في فرنسا بعنوان «اخترت أن أكون حرة». لم يكن من الممكن أن تأخذ حالة رمضان والإسلام الأوروبي هذا الحيز من الإعلام العالمي إن لم يكن هناك حركة «أنا أيضاً» النسوية، التي أصبحت من أهم موضوعات الإعلام الغربي منذ أكتوبر 2017، عندما تم اتهام السينمائي الشهير هارفي واينشتين في كاليفورنيا بالتحرش الجنسي، ثم توالت شكاوى العديد من النساء عن كيفية فرض إتاوة جنسية عليهن في عملهم حتى يتقدمن، وراح ضحية هذه الحملة العديد من كبار الكتّاب وأصحاب النفوذ في دوائر المال والسياسة. وتنتشر «أنا أيضاً» عالمياً وتتبعها الآن حركة «حان الوقت» التي تركز على إجراءات معينة ليس فقط لحماية النساء من التحرش في أماكن العمل، ولكن أيضاً لتحقيق المساواة، وللضغط على الكونجرس لإصدار قوانين صريحة في هذا الصدد ومعاقبة الشركات التي لا تضمن أماكن عمل خالية من التحرش. الخطر الآن هو سيطرة بعض المتطرفات على هذه الحركات والخشية من أن تصبح أي مجاملة عفيفة بريئة نوعاً من التحرش، لذلك قامت 69 امرأة من نجمات فرنسا في مجالي السينما والأدب بدق إنذار التنبيه على عدم المساس بالعلاقات الإنسانية النبيلة التي يمارسها الناس من الجنسين، وهم يحتاجونها أيضاً.