بعض المنظمات غربية الهوى، تطلع علينا، بين الحين والآخر، بتقارير حول حقوق الإنسان، تدين فيها مجتمعاتنا العربية، إدانات قاسية أحياناً، وأحياناً إدانات جائرة، جرى فيها لي عنق الحقيقة. تقارير كلها، أو للدقة، نسبة كبيرة منها، لا تقوم على أساس صحي، أو أدلة واضحة قاطعة. بالمقابل، لا أحد يمكنه النفي، في العالم العربي على الأقل، إن المجتمعات العربية، هي مجتمعات ملائكية، ليس فيها شيء من الجور، أو شيء من الأخطاء، أو شيء من عدم تكافؤ الفرص، أو شيء من عدم المساواة الاجتماعية، بل ما يمكن قوله، هو إن أموراً كهذه تحدث، وهي موجودة بصورة أو بأخرى، لكنها نسبية، نعم، ولا يجب إنكارها أو التستر عليها، ووجودها هو أقرب ما يكون إلى الظاهرة، ظاهرة سيئة بالطبع، إما نتيجة لثغرات في الدساتير والقوانين، وإما أن تكون في الأنظمة والإجراءات التي تنظم أحوال الناس، بعضها مع بعض، أو تنظم العلاقة بين الناس وبين المؤسسة الرسمية، فالفرد يخطئ أحياناً لأنه يتحرك ويعمل، ولو توقفَ عن العمل، لما أخطأ، وكذلك هو حال الدول، فهي عندما تخطئ، في هذا المجال أو ذاك، فلأنها حيوية تتحرك وتعمل، لكن عليها بعد أن تتنبّه لأخطائها، أن تصححها، وتعيد الأمور إلى مسارها السليم والإنساني، وتقارن نفسها بالدول ذات السمعة الجيدة، وتحاول اللحاق بها، وتحاول أن تسجل عليها سبقاً في مضمار جودة الحياة. ماذا لو اجتمعت هذه المنظمات بعد جمعها لحقائقها مع المسؤولين في بعض الدول العربية المنتقاة، المعروفة بإنسانيتها وحرصها على مواطنيها، لتواجههم بحقائقها ومستنداتها وأدلتها، وتناقشهم في كل كبيرة وصغيرة وردت، أو في الأقل، لتطلعهم عليها، وتسجل ردودهم وتعليقاتهم عليها، لو أن بعض تلك المنظمات فعلت ذلك، لكانت تقاريرها أكثر منطقية، ولكانت اكتسبت قوة إضافية مؤثرة. في السياق، لو انتقلنا إلى المجتمعات الغربية، أو الدول الغربية السابقة علينا في عدة مجالات وميادين، وأخذنا مقولة (القانون لايحمي المغفلين) ماذا نكتشف؟ نكتشف أنه مبدأ رأسمالي لا إنساني، يسعى لضمان حرية الكسب، فالمغفل الذي يعنيه القانون لديهم، هو كل مواطن لا يحمي حقه - أو لا يستطيع أن يحميه - ابتداء من سكان المستعمرات، إلى الزنوج والعمال والنساء والأطفال وكبار السن. وبموجب هذه الشِرعة لنقل، لم يتمكن مظلوم واحد في التاريخ، من أن ينال حقه سلمياً أمام ذلك القانون، فلم يكن بوسع الزنوج على سبيل المثال، والعمال والنساء، أن يستعيدوا أراضيهم، إلاّ بحروب حقيقية، ولم يكن بوسعهم أن يظفروا بحق المساواة والعمل، إلا بالمواجهات الدامية، تحت سمع القانون وبصره. مثال: إن حي بروكلين في مدينة نيويورك، مقام على أرض، اشتراها المهاجرون الهولنديون من الهنود الحمر، بمبلغ قدره 15 دولاراً، هي صفقة أسوأ من (بيع القطار للعمدة) عندنا نحن العرب، لأن أحفاد الهنود الحمر، الذين تقدموا إلى القضاء (النزيه)، مطالبين بتعويضهم عن هذه الخدعة، لا يزالون يدفعون أتعاب المحامين حتى الآن!