بين دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية شراكة استراتيجية غيّرت الخارطة السياسية في الشرق الأوسط ككل، وهذه الشراكة ليست مجرد تحالف بين أكبر اقتصادين عربيين، أو بين دولتين هما الأحدث تسليحاً في الوطن العربي، ولكنها رؤية لما هو قادم من متغيرات ستفرضها طبيعة العالم الجديد وبروز قوى جديدة، وتقاسم النفوذ بين التكتلات الدولية بغض النظر عن موقع كل دولة على خارطة العالم في منظومة جديدة لم يعرف العالم القديم والحديث شبيهاً لها، ولا شك أن التعاون بين الدولتين الشقيقتين هو أهم تحالف في تاريخ المنطقة لما له من أبعاد اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية ومعرفية على الصعيدين العربي والدولي. فالدول لا تقاس أهميتها ومكانتها بحجمها، ولا تعرف قوتها بتعداد الجيوش والسكان في زمن استراتيجيات الابتكار والإبداع والحروب الذكية والاقتصاد المعرفي وسباق الفضاء، واستخدام الطاقة النظيفة والتمكين المجتمعي الكلي، وهنا نقطة، ونبدأ من أول السطر لنقولها بكل شفافية: إن تحالف السعودية والإمارات هو من سيحدد مستقبل المنطقة، وأين ستتجه من هنا، بعيداً عما يجري في الوقت الحاضر من نزاعات وخلافات داخلها، وبعيداً عن تدخل الغول التركي، ونظيره الإيراني لقلب الأوراق في الجزيرة العربية. ولذلك التباين في بعض وجهات النظر الإماراتية السعودية فيما يخص المبادرات الدبلوماسية والعسكرية أحادية الجانب لتشكيل النظام الإقليمي في المستقبل المنظور هو أمر صحي طالماً أنه يصب في نفس الرؤية الاستراتيجية الكبرى لتعاون الدولتين ومصالحهما في العالم ككتلة واحدة، وفي الوقت تنفي تشكل ثقل ملموس على الساحة الدولية، وأصبحت مؤخراً اللاعب الأبرز في صنع القرار السياسي في الوطن العربي. وإن رؤية الدولتين للسياسة الخارجية تقوم على فهم واضح للصراعات في الشرق الأوسط والصراع على الطاقة، والتمركز في قلب العالم، وهو سلوك مدفوع بهوية البقاء المشترك، والسعي إلى العالمية، والحفاظ على أقدس بقعة على وجه الأرض، وصون تراب الجزيرة العربية من أن يدنس من قبل الغزاة الخارجيين، وإن جاؤوا يكبّرون، وبالتالي تُعد الوحدة الإماراتية- السعودية بجانب أشقائهم في الحلف العربي في اليمن، خاصة جمهورية مصر العربية آخر معاقل القوة السُنية في الشرق الأوسط وقلب الوطن العربي الذي إذا ما اخترق سقط صولجان الكرامة العربية بمن يحمله. ففي الجانبين يرى صُناع السياسة أن الجماعات الإسلامية المتطرفة تهدد الاستقرار الإقليمي والدول التي تتخذ نظامها كبؤر لنشر الإسلام السياسي المتطرف، والطرفان أدركا أن العمل المنفرد، مقارنة بحجم التهديدات على الأرض، هو حماقة سياسية، تجنباها بحكمة فائقة وبناء شراكة عسكرية وثيقة، وقاما بتشكيل لجان عليا وتنفيذية مشتركة في جميع الميادين العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية لما فيه مصلحة البلدين والمنطقة، حيث يوجد التزام وثيق ودينامية واضحة في طبيعة العلاقة بين البلدين، والانتقال السلس من «الأبوية» إلى «الأخوية» في ظل تحول الأجيال في القيادة التشغيلية وجيل جديد من القيادة بينهم علاقة عمل وثيقة ومدروسة. فبعد التحركات الإيرانية والتركية في المنطقة، أدركت الدولتان أنه لا يوجد حل غير الوحدة العملية بين القطبين وبين والدول العربية التي رأت الخطر القادم إلى حدودها بطرق مباشرة وغير مباشرة، ولذلك عندما أخفقت القوى الطامعة في المنطقة، ولم تتمكن من الدخول إليها من بوابة اليمن، بعد أن خربت الديار في سوريا والعراق واستباحت وحدة التراب اللبناني، تحولت الاستراتيجية (الإيرا-تركية) لشراء ولاءات بعض القيادات العربية لزعزعة الأمن القومي للمنطقة، وبالتالي كان حتماً على التحالف العربي التحول من سياسة دفاعية تؤمّن الحدود وسيادة أراضي الدول إلى سياسة استباقية تدافع هي فيها عن حدودها من أبعد نقطة تستغل كطريق سالك للداخل، وفي هذا السياق تشكلت أقوى قوة عسكرية مجتمعة تجمعها أي دولة عربية لعقود طويلة، متمثلة في «عاصفة الحزم» و«عملية إعادة الأمل» والتي تسير وفق ما هو مخطط لها، ولم يكن أمام دول التحالف أي بديل سوى التدخل في الصراع اليمني من أجل إرسال إشارة تحذيرية إلى إيران بعدم التدخل في شؤون الدول العربية، وقطع الطريق عليها والمتاجرة بأحلام البسطاء، وإجهاض حلم الوصول إلى قلب الجزيرة العربية. فالدولتان أعلنتا دخولهما سباق تطوير علوم الفضاء والطاقة النظيفة والثورة المعرفية، والاعتماد على الابتكار والذكاء الصناعي والتسليح الذكي. الخ.. لإحداث نقلة نوعية، وإيجاد الحلول الناجعة لإعادة رسم خريطة العالم العربي بأقلام وأياد عربية، تُوحّد ولا تُفرق، وإذا تحقق حلم الفيدرالية العربية بقيادة المملكة، فإننا نصبح أمام تأسيس وحدوي سيكون من أكبر 10 اقتصادات في العالم.