للمرة الأولى، تظهر البيانات والإحصائيات أن الوفيات السنوية في بريطانيا، الناتجة عن سرطان البروستاتا بين الذكور، تخطت في عددها الوفيات الناتجة عن سرطان الثدي بين النساء. ففي عام 2015، توفي 11819 رجل بسبب سرطان البروستاتا، مقابل 11442 امرأة بسبب سرطان الثدي، وهو ما يضع ضحايا سرطان البروستاتا في المرتبة الثالثة على قائمة عدد الضحايا في بريطانيا، ولا يسبقه على هذه القائمة إلا سرطان الرئة وسرطان القولون. وبخلاف التطورات والاختراقات التي تحققت في مجال التشخيص المبكر والعلاج الفعال لسرطان الثدي، مما أدى إلى تراجع عدد الوفيات الناتجة عنه، يعزى السبب خلف تقدم سرطان البروستاتا على قائمة عدد الضحايا إلى ارتفاع متوسط أعمار أفراد المجتمع بوجه عام، ضمن الظاهرة المعروفة بشيخوخة المجتمعات. ويكفي لإدراك مدى الزيادة التي حققها الجنس البشري على صعيد رفع متوسط أعمار أفراده، حقيقة أن متوسط أو مؤمل العمر من المنظور العالمي يبلغ حالياً 67 عاماً، مقارنة مثلا بمتوسط الأعمار خلال زمن الإمبراطوريات الإسلامية في العصور الوسطى، الذي كان 35 عاماً فقط، أي أن الجنس البشري نجح خلال بضعة قرون في مضاعفة متوسط أو مؤمل العمر تقريباً، وقد تحقق الجزء الأكبر من هذه الزيادة خلال العقود القليلة الماضية. وترافقت هذه الزيادة العامة في متوسط الأعمار مع زيادة مماثلة في أعداد المعمّرين، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى وجود أكثر من 316 ألف شخص حول العالم تخطوا سن ال100 عام في 2012، ومن بين هؤلاء يوجد ما بين 300 إلى 450 شخصاً تخطوا سن ال110 أعوام، وهي المجموعة التي يطلق عليها وصف «المعمّرين السوبر»، وهم من وصولوا -أو تخطوا أحياناً- الحد الأقصى لعمر الإنسان، الذي يقدره العلماء بين 110 إلى 115 عاماً. ويعتبر التقدم في السن والشيخوخة من أهم عوامل الخطر خلف زيادة احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية. فعلى رغم أن السرطان يمكن أن يصيب أية فئة عمرية خلال مراحل الحياة المختلفة، إلا أن معظم من يتم تشخيص إصابتهم بالأنواع الخبيثة من السرطان ينتمون في الغالب للفئة العمرية الأكبر من سن الخامسة والستين. وهي الحقيقة التي دفعت بعض الباحثين في علم الأمراض السرطانية للتصريح بأن من يقدر له العيش لفترة طويلة بقدر كافٍ، سيصاب بالسرطان حتماً. وهذه العلاقة بين السرطان والتقدم في السن ترد إلى تراكم الاختلالات في المادة الوراثية داخل الخلايا بمرور السنين، بالإضافة للتغيرات المصاحبة للشيخوخة في الغدد الصماء والهرمونات. والبروستاتا غدة صغيرة، في حجم ثمرة الجوز، تحيط بعنق المثانة البولية لدى الرجال عند بداية خروج مجرى البول، تفرز سائلًا قلوياً، يشكل 30 في المئة من السائل المنوي، ويلعب دوراً مهماً في الحياة الجنسية وفي الإخصاب. وعلى رغم تعرض نسبة كبيرة من الرجال للأمراض والعلل التي تصيب البروستاتا، مثل التضخم، والالتهاب، والسرطان، فإن غالبيتهم لا يعلمون عنها شيئاً، أو يعرفون عنها القليل فقط، مع أنها تتسبب في عدد كبير من الوفيات بينهم. وعلى سبيل المثال، يحتل سرطان البروستاتا حالياً المرتبة الثانية على قائمة أكثر أنواع السرطان التي يتم تشخيصها بين الرجال، وبنسبة 15 في المئة من بين جميع أنواع الأمراض السرطانية. ففي عام 2010 وحده لقي ربع مليون حتفهم بسبب سرطان البروستاتا، وبزيادة تقارب الثلثين مقارنة بمن توفوا في عام 1990، الذين بلغ عددهم حينها 156 ألف رجل. وترتفع نسبة الوفيات الناتجة عن سرطان البروستاتا بشكل كبير في بعض الدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين تحتل فيهما وفيات سرطان البروستاتا مرتبة متقدمة جداً على قائمة أسباب الوفيات بين الرجال الناتجة عن جميع أنواع الأمراض السرطانية. ويعتمد تشخيص الإصابة بسرطان البروستاتا على الفحص الإكلينيكي، وتحليل دم خاص ومحدد، وبشكل أدق على فحص عينة من نسيج البروستاتا (خزعة) تحت المجهر. ويعتبر تشخيص الإصابة بسرطان البروستاتا في مراحله الأولى، من خلال فحوصات الدم، وبدرجة مرتفعة من اليقين، من أكثر القضايا الطبية الجدلية، التي تختلف فيها الآراء حالياً إلى حد كبير، وإن كانت الأخبار تواترت، في السنوات الأخيرة، عن تطوير فحوصات جديدة، يعتقد القائمون عليها أنها قد تمنح الأطباء فرصة تشخيص الإصابة بشكل مبكر، وهو ما قد يزيد من احتمالات نجاة المصابين بسرطان البروستاتا، مثله في ذلك مثل باقي الأمراض السرطانية الأخرى.