وسط تظاهرات متواصلة منذ أسابيع، أدى «خوان أورلاندو هيرنانديز» اليمين رئيساً لهندوراس لولاية رئاسية جديدة مدتها أربع سنوات، وقد اعترف صراحة بأنه يحكم شعباً منقسماً بين مؤيد ومعارض له، وبينما كان يؤدي القسم خلال جلسة للبرلمان في المعلب الوطني بالعاصمة تيغوسيغالبا، كان الآلاف من معارضيه يحتجون أمام السفارة الأميركية لدى هندوراس ضد مباركة واشنطن إعادة انتخابه. فمن هو هيرنانديز؟ وما هي عناصر ومصادر الأزمة السياسية لهندوراس في ظل رئاسته؟ «خوان أورلاندو هيرنانديز» سياسي ومحام ورجل أعمال سابق وعضو «الحزب الوطني» المحافظ، وهو رئيس هندوراس الحالي رقم 55 منذ استقلالها عن إسبانيا عام 1821، إذ فاز بالانتخابات الرئاسية لعام 2013 ثم فاز بولاية ثانية في انتخابات عام 2017. وهو من مواليد عام 1968 في مدينة جراسياس بولاية لمبيرا في غرب البلاد، لوالديه جان هيرنانديز فيلانيفا وأليفرا كاستيلو، وكان ترتيبه الخامس عشر بين سبعة عشر طفلا. درس القانون في الجامعة الوطنية المستقلة في هندوراس، وكان رئيساً لرابطة الطلاب فيها، قبل تخرجه منها عام 1989. ثم حصل على شهادة الماجستير في العلوم الاجتماعية والقانونية من جامعة ولاية نيويورك، وعاد ليدرّس القانون في جامعة هندوراس الوطنية المستقلة، وليصبح محامياً وكاتب عدل، ثم سرعان ما برز كرجل أعمال ناشط في زراعة البن، إلى جانب قيامه بتأسيس قنوات إذاعية وتلفزيونية خاصة وامتلاكه عدة فنادق. وبسبب صعوده السياسي السريع وثروته التي اكتسبها في وقت قياسي، فقد وصفه الزعيم الليبرالي رافائيل بينيدا بونس بـ«الطفل المدلل»، وهي العبارة التي أكسبته شهرة كبيرة في هندوراس عقب انتخابه في عام 2001 عن «الحزب الوطني» ممثلا لولاية لمبيرا في المؤتمر الوطني (البرلمان الهندوراسي المكون من غرفة واحدة). وقبل ذلك كانت هندوراس برئاسة «مانويل زيلايا» قد انضمت إلى منظمة البديل البوليفاري التي تشمل دول أميركا اللاتينية المحكومة بأنظمة يسارية، مما فجر أزمة سياسية بين زيلايا ومعارضته اليمينية، لاسيما وقد فقد دعم الطبقة البورجوازية وأثار قلق الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً بعد زيارته لكوبا في عام 2007، كأول زيارة لرئيس هندوراسي إلى هافانا على مدى نصف قرن. ثم تفاقمت الأزمة بسبب إزماع زيلايا على إجراء استفتاء شعبي حول تعديلات تلغي مواد في الدستور وفي القانون الجنائي تحول دون ترشح الرئيس المنتهية ولايته لفترة حكم ثانية، وهو الأمر الذي رفضه الجيش كما رفضته المحكمة العليا التي طلبت من المؤسسة العسكرية خلع الرئيس، فحاصر مئات الجنود مقر إقامة الرئيس زيلايا في العاصمة فجر الأحد 28 يونيو 2009 وجردوا حراسه من السلاح، ثم اقتحموا منزله واقتادوه إلى مطار عسكري على مشارف العاصمة حيث جرى «طرده» إلى كوستاريكا، وتم تعيين رئيس البرلمان «روبرتو ميشيلاتي» رئيساً للبلاد بالإنابة. وفي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المنظمة في نوفمبر 2009، فاز الحزب الوطني بمنصب الرئاسة ممثلا في مرشحه «بورفيريو لوبو سوسا»، كما حصل على الأغلبية المريحة في البرلمان ليصبح هيرنانديز رئيساً للسلطة التشريعية في يناير 2010. وقد ظل هيرنانديز في منصبه حتى منتصف عام 2013 حين قدم استقالته كي يستطيع الترشح رسمياً لانتخابات الرئاسة. لكنه قبل ذلك خاض في عام 2012 حملة الانتخابات الداخلية ضد ريكاردو ألفاريز ليصبح المرشح الوطني عن حزبه في الانتخابات الرئاسية لعام 2013. وفي منتصف العام وضعته استطلاعات الرأي في الترتيب الثالث بين مرشحي الانتخابات الرئاسية، مع توقع بحصوله على 18? فقط من أصوات الناخبين، وذلك قبل شهرين من بدء حملته الانتخابية التي أطلقها من ولايتي لاباز وإينتبوكا في الغرب والجنوب الغربي، تحت عنوان «الشعب يختار». وأجريت الانتخابات الرئاسية يوم 24 نوفمبر، وقد قاطعتها العديد من أحزاب اليسار. وفي الثاني من ديسمبر، أعلنت المحكمة الانتخابية العليا أن هيرنانديز، مرشح «الحزب الوطني»، حصل على 36.80? من الأصوات، مقابل 28.79? لمرشحة حزب «الحرية وإعادة التأسيس» اليساري، خيومارا كاسترو. لكن آلاف المتظاهرين تدفقوا في اليوم التالي إلى شوارع تيجوسيجالبا، احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرئاسية المعلنة، والتي وصفتها كاسترو بـ«المزورة». وهكذا فقد جاء هيرنانديز إلى الحكم في أجواء متوترة جراء الانقسام السياسي الذي أعقب إطاحة زيلايا، علاوة على ما تعانيه البلاد من ارتفاع مزمن لمستويات الفقر، حيث يعيش ثلثا سكانها تحت خط الفقر. لذلك دافع هيرنانديز، والذي يعتبره حزب «الحرية وإعادة التأسيس» امتداداً لانقلاب عام 2009 و«جزءاً من النخبة التي دعمت الانقلاب واصطنعت له شرعية ملفقة»، عن تدخل الجيش لضبط الشارع، وانتقد مطالبة كاسترو بإخراج الشرطة العسكرية من المدن الرئيسة. ومثلت معضلات الفقر والعنف والفساد وضعف البنية التحتية (دمرت العواصف والأعاصير قسماً كبيراً منها) وتردي خدمات الصحة والتعليم.. تحديات حقيقية للرئيس هيرنانديز طوال ولايته الأولى، كما يتوقع أن تمثلها أيضاً خلال ولايته الثانية، وهو ما ينطبق أيضاً على رفض معارضيه الاعتراف بنتائج الانتخابات في الحالتين، الأمر الذي انتقص وينتقص من مشروعيته، كما يعمق الأزمة السياسية في هندوراس. وخلال الولاية الرئاسية الأولى لهيرنانديز اتهمه خصومه بالتصرف على نحو استبدادي وغير ديمقراطي، خاصة قيامه بإبعاد أربعة قضاة في المحكمة العليا عارضوا خطته لإنشاء شرطة عسكرية خاصة تشمل مهامها، إلى جانب مكافحة الاتجار بالمخدرات، تعقب الناشطين الحقوقيين والمعارضين السياسيين. وقد تظاهر ضده عشرات الآلاف في عام 2015 مطالبين باستقالته بعد فضيحة فساد قيل إن بعض زعماء حزبه متورطون فيها، ومنهم شقيقه النائب البرلماني «تونى هيرنانديز» الذي أفاد مهرب المخدرات «ديفيس ريفيرا مارادياجا»، خلال محاكمته فى نيويورك، أنه تعاون مراراً مع الكارتلات وتلقى رشاوى منها. وأيا يكن الأمر فقد نجح هيرنانديز في ما لم ينجح فيه غيره من الرؤساء السابقين، إذ استطاع إعادة تشكيل المحكمة العليا لتقوم في 23 أبريل 2015، وبناءً على طلب من الحزب الوطني، بإلغاء المواد القانونية والدستورية المانعة لترشح الرئيس لفترة ثانية على التوالي، رغم أن الحزب كان قد استند إلى هذه المواد لتبرير عزله الرئيس مانويل زيلايا متهماً إياه بالشروع في تغييرها. وكانت الخطوة التالية لهيرنانديز خوض الانتخابات الداخلية للحزب، والتي فاز بها في 12 مارس 2017، ليصبح مرشحه وليكون أول رئيس منتهية ولايته في تاريخ هندوراس يعاد انتخابه لولاية رئاسية ثانية على التوالي، حيث أعطته نتائج الانتخابات الرئاسية المنظمة يوم 27 نوفمبر 2017، نسبة 43? من الأصوات، وفقاً لبيان المحكمة العليا للانتخابات الصادر في الـ17 من ديسمبر الماضي. لكن منافسه «سلفادور نصر الله»، مرشح ائتلاف اليسار والحاصل على نسبة 41?4?، شكك في نتائج الفرز وتحدث عن غش انتخابي واسع وعن انحياز المحكمة لصالح الرئيس المنتهية ولايته. وفي مواجهة دعوات المعارضة للتظاهر احتجاجاً على فوزه، أعلن هيرنانديز حالة الطوارئ العامة، مما أفضى إلى مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن أسفرت عن سقوط 30 قتيلا واعتقال 800 آخرين، مما يعمق الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية لهندوراس! محمد ولد المنى