من المرات التي حظيتُ فيها بشرف كبير في حياتي لحظة اعتلائي المنصة في أكاديمية «مكتب التحقيقات الفيدرالي» الأميركي (إف بي آي)، من أجل تلقي شارة الانتساب كعميل خاص من مدير المكتب وقتئذ روبرت مولر. وبعد 21 أسبوعاً من التدريب المكثف، أدى فوجي القسم وأصبحنا عملاء فيدراليين نحمل على عاتقنا مهمة حماية الأميركيين واحترام الدستور. وبعد أزيد من عشر سنوات من الخدمة في الـ«إف بي آي»، شملت التحقيقَ في قضايا إرهاب، والعمل من أجل إنقاذ ضحايا خطف في الخارج، وشغل منصب مساعد خاص لمدير المكتب.. أقدم اليوم استقالتي على مضض وأترك المؤسسة التي أحب. لماذا؟ حتى أستطيع الانضمام إلى الأصوات المتزايدة من الأشخاص الذين يرون أن الهجمات الشرسة التي تستهدف المكتب لا تضعف أولَ وكالة لإنفاذ القانون في أميركا فحسب، وإنما أمن البلاد أيضاً. إن استقالتي مؤلمة، لكن البديل المتمثل في البقاء صامتاً، بينما تتعرض سمعة المكتب للتشويه من أجل مكاسب سياسية، أمر مستحيل. عدد صغير من زملائي الحاليين والمتقاعدين يقولون إن علينا أن ننحني إلى أن تمر العاصفة، لكني أقول لهم بكل احترام إنكم مخطئون. ذلك أنه إذا اختار الأشخاص الذي يعرفون الوكالة أكثر من غيرهم التزام الصمت، فإنها ستصبح خاضعة لأصحاب الأجندات السياسية. إن عملاء الـ«إف بي آي» أشخاص مكدون ومثابرون لا يكترثون لاتجاه الرياح السياسية، لكنهم في حاجة إلى دعم الجمهور لكي ينجحوا في عملهم. والحال أن هجمات «الأرض المحروقة» التي يشنها سياسيون ذوو أهداف حزبية باتت اليوم تهدد ذلك الدعم، ما يثير شكوكاً حول نزاهة الـ«إف بي آي» قد تدوم أجيالاً. فعندما يدق الـ«إف بي آي» على باب شخص ما أو يطلب من الجمهور المساعدة في حل جريمة ما، فإن رغبة الجمهور في المساعدة تكون مرتبطة مباشرة برأيهم حول الوكالة. وعندما يحاول عميل يشتغل على وقف مخطط إرهابي تجنيد مخبر، فإن نجاح العميل في جمع معلومات استخباراتية مهمة يتوقف على اعتقاد المرشد بأن العميل شخص يمكن الوثوق فيه. وكما كان يقول المدير السابق جيمس كومي في التشديد على أهمية التقيد بأعلى المعايير، فإن تصديق هيئة محلفين لشهادة عميل من عملاء الـ«إف بي آي» من عدمه إنما يتوقف على ما إن كانت لديها ثقة في نزاهة المكتب واستقلاليته. وعليه، فحتى يكون فعالاً، يجب تصديق الـ«إف بي آي» ويجب الحفاظ على دعم الجمهور الذي يخدمه. لكن، هل يرتكب عملاء الـ«إف بي آي» أخطاء؟ بكل تأكيد، فهم بشر. ولأنهم ليسوا معصومين من الخطأ، يخضع المكتب لنظام صارم من «الضوابط والتوازنات»، يشمل قسمَ الشؤون الداخلية، والمفتش العام لوزارة العدل، ولجان الكونجرس، والمحاكم. هذه الجهات المراقبة تحرص على عدم تأثير الآراء الشخصية بخصوص السياسة والقضايا والمرشحين على التحقيقات. كما يتيح النظامُ قناة لأي محقق يشتبه في وجود اختلالات أو مخالفات من جانب قيادة الوكالة للإعلان عن تلك التخوفات. لكن، كيف يمكن قراءة الادعاءات الأخيرة بانحياز سياسي في الـ«إف بي آي»، وخاصة تلك المتعلقة بموظفيْن ما زالت رسائلهما النصية الخرقاء تهدد سمعة الوكالة؟ الواقع أنه إذا كان من عدم النزاهة القول إن هذين الاثنين غير مذنبين بإساءة التقدير على الأقل، فإنه سيكون من غير النزاهة أيضاً أن يلمح أي شخص يعرف المكتب حقاً إلى أن المؤسسة تتآمر من الداخل. ولا شك في أن ثمة فرقاً بين الإشراف والمراقبة من قبل من هم مسؤولون عن محاسبة الـ«إف بي آي» وانتقادات السياسيين الذين يسعون لتحقيق مكاسب حزبية وسياسية. فالسياسيون يستغلون خلافهم مع تحقيق معين في محاولة لإضعاف مصداقية المؤسسة بكاملها. شعارهم هو «النظام مزور»، وهم يعملون اليوم على تسييس عملية «قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية» التي تستخدم لجمع معلومات استخباراتية حساسة حول خصومنا. إن الاعتقاد السائد بين موظفي الـ«إف بي آي» القلقين والحائرين هو أن الهدف من الهجمات هو التخفيف من الضربة في حال أدى تحقيق مولر، المحقق الخاص، إلى تهم إضافية. غير أن هذا النوع من الهجمات من قبل أشخاص أقوياء يتجاوز مجرد الانتقاد، إذ يمكن أن يدمر المؤسسة برمتها. وعليه، فهذه الهجمات السياسية يجب أن تتوقف. أما إذا أقنع منتقدو الوكالة الجمهورَ بأن الـ«إف بي آي» لا يمكن الوثوق به، فسيكونون قد نجحوا أيضاً في جعل بلدنا أقل أمناً. جوش كامبل* *عميل سابق في الـ«إف بي آي» ---------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»